سٍرُّ ابتسامتي

صباح الخير يا بلدي.. لك يليق الصباح بعد غياب طويل، صباح الخير من مدينتي.. إلى كلّ بقعة تحت سماء وطني، وكلّ خيرات الصباح، لتلك السماء التي تطلّ على سرير غرفتي بعد هجر دام سنوات.. ها أنا ذا أعود إليك حاملة الشغف والحنين لساحاتك لأبنائك وبناتك الذين كبروا عشرات الأعوام في البعد عنكِ.. أعود لأنام في أمان حضنك أختبئ بين جناحيك.. توقظني شمسك اللؤلؤية، أبتسم لها.. تضحك لي.. نلفظ معاً: صباح الخير يا وطني، فتقلّدنا العصافير العائدة بصوتها المبحوح ودمعها يروي أرضاً باتت يابسة التراب.. تأمل في العثور على برعم أخضر ينمو فتمتدّ أغصانه من جديد بعد أن تقبّله بكورة الصباح.

حزينة هي العصافير.. تتساءل عن سرّ ابتسامتي التي لا يغطّيها سقف ولا تحميها جدران.. ترفرف حولي تنفض أجنحتها فوق تراكم الحجارة المحيطة بي.. تبحث عن وسادتي اللازوردية.. عن نافذتي التي تتهيأ في كل صباح لتقف على حافتها، فتوقظني ضرباتها الناعمة على الزجاج، تبحث عن صوتها فوق شجرة الزيتون بين أوراق الياسمينة.

حزينة هي العصافير، لأنها لم تعثر على صوتها بين الأغصان التي تحت الركام بينما لا تزال ابتسامتي مشرقة تحت سماء مدينتي، وأنا ما زلت على السرير الحديدي المتبقي في المنزل.. ورأسي فوق حجر من غرفتي المهدّمة.

الحجر وسادتي الناعمة الطريّة، أتلمّسهُ في ساعات الليل، أستنشق عطره الذي جعلني أستسلم لنوم عميق، لم أذق طعمه منذ زمن طويل.

حجر يرشح طيب الياسمين، أحضنه بأنفاسي وأحلّق معه نحو أحلام وردية  لأزرع وأبني، كي ترتفع الجدران ويزيّن الياسمين الدار، وتتفرّع الأغصان، ويعود لك صوتك أيتها العصافير، فتغرّدين كما تشائين.

اتركي لي ابتسامتي، فهذا الصباح لي واعذريني، واعذري أنانيتي، خذي شعاعاً من الشمس واستري به حزنك، اتركيني أحلّق في سماء مدينتي، أتصفّح فصولها بوجهي، أبدأ من رمضاء صفحاتها التي تؤجج روحي بلهيب شوق لا يطول حتى تطلّ برودة النسمات المسرعة نحوي تمسح التجاعيد عن وجنتي تعيد لبشرتي نضارتها، وإذا ما اقتربتُ من صفحات الشتاء يعبر الخريف مهرولاً من أمامي تستقبلني كرات الثلج برقصها النزق، تحيط اتجاهاتي بدفئها النابض في عروقي، تحميني من صقيع صيف البعاد، تُدثرني بغطائها الناصع البياض متذكّرة شال أميّ الذي كنت أغفو تحته. وحين يُقبل الربيع بمروجه الخضر أستيقظ على رؤى الشمس وزقزقة العصافير.

العدد 1140 - 22/01/2025