في المعنى تكمن الغاية

ظلمة الكون وعتمة القبور تبقى عاجزة عن حجب عطر وردة، ومنع حبة قمح من النمو، أو إطفاء بريق نجمة واغتيال نور الصباح، وخنق ابتسامة وليد.

تبقى العبرة في المعنى، والقيمة في الهدف الذي نصوب نحوه، لا في الشكل واللون والمظاهر الخادعة، وما أجمل الطاووس وما أروعه، لكنه قد ينسى في أحيان كثيرة قبح قدميه، وسعيه الدائم وراء الأفاعي وخلف الحشرات من ديدان وعقارب.

وإذا كان الطريق إلى قمة الجبل أعوج، موحلاً ومتعرجاً وضيقاً، فهذا لا يعني أبداً أن من يسير عليه أعوج، وأن عقله موحل وصدره ضيق، وإن لبس الأسمال البالية، فقد ينبت الورد الجوري في الطين الداكن، وتعيش الصقور قرب جحور الحراذين والفئران، ويحيا الفلاسفة بين الجهلة والسفهاء.

فكل يعطي مما عنده..

وكل ينضح ما في دلوه..

إن الأهداف والغايات تحدد دائماً أخلاق حامليها، تعلي من شأنهم أو تخفض من كرامتهم، فكثير ممن حولنا يظنون أنهم يحملون أهدافاً وغايات، وإذا بحثنا في حقيقتهم وجدنا أنهم كالأشواك، حياتهم محصورة في إيذاء لحوم الآخرين وعظامهم.

وتعلو القيمة بعلو الغاية..

فغيمة محملة بالثلج والمطر لا تكون سعادتها وهدفها إلا بمنح خيراتها لمن حولها، وبذلك تكون قد ولدت من جديد.

إن الأهداف العظيمة لا بد لها من قامات وهمم عالية تحمل في دمها قيماً عظيمة ومشاعر سامية، (ومن يود الوصول إلى الغاية المحددة ينبغي له أن يتبع سبيلاً واحداً، فلا يسلك سبلاً متعرجة ومتعددة.. والإنسان النبيل ينبغي أن تمتد يده ونظره إلى البعيد البعيد.. وإلا لماذا وجدت السماء؟).

قد تكون الطرق معوجة في الواقع، لكنها مستقيمة في المعنى إذا كانت تتجه نحو القمة.

إن الكلمات مكتوبة بخطوط منحنية ومنكسرة، لكنها قد تحمل في انحناءاتها وانكسارات حروفها ما لا يمكن حنيه أو كسره.

وهكذا هي الطرق والأهداف.

الطريق كلمة، حروفها ملتوية، ولا يتحدد الهدف إذا كان نبيلاً أو رخيصاً إلا بتحديد المعنى؟ معنى الكلمة، فإما أن يكون مستقيماً وبذلك تستقيم الطريق وإن كانت منحنية، أو يكون المعنى دنيئاً رديئاً فتصبح الطريق مليئة بالوحول، غاصة بالحفر، مشبعة بروائح نتنة، وإن كانت في نظر من يسير عليها نظيفة مستقيمة، خالية من الحفر.

إن الثابت لا يتغير، وإن تغير ظله، والأعوج لا يستقيم إلا إذا انكسر، والطرق لا تمشي، بل نحن من يمشي عليها، كما أن الشمس لا تغيب، بل نحن من يغيب عنها.

العدد 1140 - 22/01/2025