الإنسان حيوان مدعوم!

أنا المواطن المدعوم أقر وأعترف وأنا بآخر نقطة من طاستي العقلية، بالتهمة المنسوبة إلي، وهي (عدم الشعور بالدعم)، ولأنني لا أستطيع إنكار الحقيقة خصوصاً أنهم ذكروها في التلفزيون، فإني ألتمس لديكم العذر المخفف، باعتبار أن الأطباء أكدوا أني مصاب منذ الولادة بمرض يسمى (فرط الدعم اللاشعوري) ومن أعراضه أن يكون الإنسان غارقاً بالدعم ولكنه لا يكف عن النق من ارتفاع الأسعار، والمطالبة بزيادة الأجور!

أما الآن فحالتي تقول (ندمان يا سيدي) والحمد لله فأنا مدعوم وابن ستين مدعوم ، بل إن شجرة عائلتي عريقة بالدعم، والمرحوم جدي كان يحدّثنا أنه عاش وعاصر أيام الشاي والزيت المدعوم، أما أنا فقد ولدت في عصر السكر والرز المدعوم بالسوس… وأستطيع أن أفخر بأن حكومتي قامت فور ولادتي بتسجيل قسائم الرز والسكر باسمي، فأصبحتُ ملك زماني، ليس هذا فقط، بل قدَّمتْ لأبي (حلوان الولادة) وهو عبارة عن مبلغ (خمس وعشرين ليرة) بالتمام والكمال، وهذه على اسمي أنا بالذات، ولا علاقة لها براتبه، أي أستطيع أن أفعل بها ما أشاء، والواقع أني طالبت أبي بها حين كنت في الصف السادس لأني أردت شراء (دحاحل) لكن تبين لي أنه قد قام بصرفها على ملذاته الشخصية! ما علينا، الله يسامحو، المهم أن الحكومة لا تقطع بأحد، فهي قد دعمتني بالخبز، ومن أجل ذلك، أمي فطمتني على الخبز والشاي، ثم علمتني لاحقاً أن آكل الخبز مع البرغل، والخبز مع الرز، وأنا علمت أولادي أن يأكلوا الخبز مع الخبز، والله يديم علينا نعمة الدعم…

أما بالعودة إلى ذنبي، فأقسم بالغاز والمازوت وليتر البنزين، أن كل ما حصل أني نرفزت قليلاً، ذلك أن كل مسؤول يطلع علينا في التلفزيون ويقول: (أخي المواطن، إن دعمك بالخبز يكلفنا كذا وكذا، ودعمك بالمازوت يكلف خزينتنا كذا وكذا، ودعمك بالكهرباء يكلفنا كذا وكذا) وأنا قلت فقط: (أخي المسؤول: ادعمونا ولكن كفاكم مناً وأذى…).

أعرف أنكم تدعمونني بالمازوت حتى صرت أفتخر بسلالتي ذات الدم الأخضر، وأعرف أنكم دعمتموني بالكهرباء، الى درجة أن أعصابنا (كنطكت) من زياراتها الخاطفة لنا، ثم بلغني أنكم ستقدمون سلة دعم جديدة للمواطن فيها البرغل والسمن والشاي والزيت، بل أكد لي بعض (رفاق السوء والعواطلية) أن سلة الدعم ستحتوي على المتة والبزر، وذلك من أجل تمضية ليالي الأنس، حين يخيم ظلام الشتاء، وتتدلّل علينا شلة الدعم كلها، من مازوت وكهرباء وغاز، ومن حقها أن تتدلّل، فهي العزيزة الغالية، والدعم يصل لمن يستحقه فقط، لأن الدعم شعورٌ سامٍ، وموضوع أخلاقي، نعجز عن إدراكه بعقولنا البسيطة.

وفي النهاية، لا أرجو من محكمتكم الكريمة إلا الرأفة، خصوصاً أن المثل يقول: (دعم اعطيني وبالشارع ارميني) وربي يسّر!

العدد 1140 - 22/01/2025