يقول الناس
حين يقول الناس أمراً يعني أن غالبية الناس تتبنّى هذا الأمر، يعني أن الشرائح الأوسع في المجتمع تقول. هو صوت الناس الذي يقلق كثيراً من الأنظمة، الأنظمة المتخاصمة مع نبض الشوارع، وكأن تلك الأصوات أبواق لقيامات قادمة لأنظمة أمعنت في غيّها وقهرها، في ظلمها وعسفها. أنظمة ما إن تشتمّ رائحة صوت مؤثّر حتى تبادر إلى اتّهام الآخرين بالتسلط والعنف، تماماً كحامل المسلّة التي تخزه كلما تحرك.
القيادات التي تتجه في سياساتها غرباً تتجاهل تاريخ الغرب وحاضره، تاريخ الاستعمار العسكري وحاضر الاستعمار الثقافي والاقتصادي، هذا التجاهل يزرع وهماً في أذهان القيادات المنبطحة أمام الغرب، والمتآلفة والمنبهرة برونق الحياة هناك، وتعتقد أنها بسلوكها ذاك صارت مثلها مثل من يستعمرها، وتتباهى بذلك. واقع حال يذكّرنا بمن سأل البغل عمّن يكون أبوه، فأجاب إن الحصان خاله.
حتى الخؤولة لا تكون كما تعتقدون معتمدين مبدأ (نسخ… لصق)، فهي بهذه الطريقة ستنفصل عند أول اصطدام مهما كانت قوته، عالية أم منخفضة، فكيف إذا كانت قوة أصوات الناس مجتمعين؟! الناس الذين تتهيّبون أمامهم بابتسامات ثعلبيّة باتت مكشوفة عن أنياب استطالت كثيراً، وأولغت بالدم كثيراً. لا شكّ أنكم تعرفون أنفسكم جيداً، كما تعرفون أن الصوامع والقصور بجدرانها السميكة ستهتزّ وتتصدّع عند أول نزال أمام صوت مقهور.
الألعاب البهلوانية ليست سوى أفعال مهرّجين، وسرعان ما سينتهي العرض وتخرجون من كواليسكم، ساحبين خلفكم كل ما أنتجه سلوككم الإجرامي من سخرية مريرة، سخرية لن يكون حسابكم عليها بالضحك فقط، وإنما ستنتقل المسلات من جيوبكم إلى القبضات المرفوعة والهاتفة في شوارع أدمنت الغيظ، ولا بدّ أن ينفجر سلوكاً غير مريح البتّة.
ولأن زلكلّ شيء إذا ما تمّ نقصانس فقد وصلت أفعالكم إلى تمام تمامها، وبدأ العدّ التنازلي، بدأ الانحدار، ولن تتوقّف العربات إلاّ إلى استواء، أو ارتطام. وحينذاك ستكون النتيجة مؤلمة، هي سنّة الانحدار وقوانين الجذب الطبيعي، ستنادون أخوالكم وتستنجدون بهم، وسيسخرون مؤيدين لأصوات الشوارع الصاخبة، ليس لأنهم صادقون، وإنما هو النفاق بعينه، نفاق تعوّدوه في ممارسة ألعابهم الدقيقة والناجحة مع أمثالكم.
الأزمات التي صدّرتموها إلينا ستعود إلى مصدرها ما دمتم لن تغيّروا نهجكم الإجرامي، سيتوحّد غضب الشوارع مع الدم المراق، ليصير المكوّن الجديد وبالاً عليكم، ورحمة وهدى للأجيال القادمة، وللشوارع الثائرة بصراخ حادّ وفاعل، سيحملكم إلى حيث تستحقّون مما كسبت أياديكم. وإن حسبتم أن لابن الأخت حقّاً على الخال فإنكم واهمون، فلستم أبناء أخواتهم، وليسوا أخوالكم. راجعوا أنسابكم جيّداً لتقفوا على اليقين. ثمّ تذكّروا ما كان عليه أجدادكم منذ عقود ليست بعيدة.
مؤكّد أنكم لم تعرفوا ماذا يعني أن ننتمي إلى أقوام تاريخها موغل في العراقة، ومؤكّد أيضاً أن لشوارعكم حقاً علينا، ولسنا من ينكر الحق. مثلنا في ذلك مثل شوارعكم تماماً. سينتج الغضب واقعاً آخر مختلفاً، ربّما لن يرضيكم، كما لن يرضيكم ما ستصلون إليه، لكنها حكمة الكون، وسرّ الخالق والخلق، ينبذ بشر حقّ نبذهم. وما من مسلّة مخبّأة إلاّ وتخز. ما من حافر إلاّ ويُحذى، وما من ناب يستطيلُ إلاّ ويُكسر حين تطاوله. هكذا أنتم يا من أرسلتم إلينا كل هذا الخراب والقتل والدمار، فانتظرونا.