أوراق
المثقفون والنساء
عجيبٌ أمركم أنتم المثقفون.. تتعاتبون، وتفصفصون البزر والوشايات، في أحاديثكم؛ وتتبادلون التهم والشتائم، في مجالسكم واجتماعاتكم. ثم تتهموننا نحن النساء، بطول اللسان والثرثرة!
ذاك ما قالته زوجة أحد أصدقائي، الذي نقل لي انتقادها، حاملاً إياه على محمل الجد والاهتمام والكتابة.
وكما يحصل في غير قليل من المرات، آخذ أنا الفكرة – بإذنه أو من دونه لا فرق، لاسيما وأنّ، لكل منا أسلوبه ومجاله الخاصّين، في التعبير والمعالجة – أُدخلها، أي الفكرة، غرفة مؤونتي اللغوية، أُسقط عليها ما يحضرني، من تجربتي وتجارب الآخرين، أُلوِّنُها بلون حبري غير السري، ثم أدفع بها إلى النشر.
على الرغم من تأكدي، من مقاربتي لموضوع الفكرة سابقاً، أكان من جانبٍ أو من آخر. فقد وجدتني منشداً لمعاودته من جديد. لما للثقافة وللمثقفين من تنوع في المجالات والمستويات والمنازع، وما (للجندر) من انعكسات على الثقافة والآداب والفنون-حين يتسلل من أحبار النساء وخبث تجاربهن- من اختلاف في الآراء، تقييماً وتثميناً ونقدا.
على ما يجمع بين الرجل والمرأة، من الصفات والإمكانات المشتركة، ووجودهما على مسافة واحدة، من الشرائع والأديان والقوانين، السماوية منها والأرضية. بصرف النظر عن التفاوت النسبي بينهما، في بعض القدرات الجسدية.
يبقى هناك شيء من الاختلاف الشخصي، الذي لا يرقى إلى مصاف الاختلاف النوعي. بكلمات أُخرى، أن تكون المرأة قد عُرفت بحساسيتها البادية، على الأغلب الأعم. فهذا لا يسوِّغ لنا، الادعاء بتفوق النساء على الرجال من حيث الحساسية، أو عدم وقوعنا على مَنْ يبزُّنَّ (أسَمك) الرجال وقاحة وفظاظة!
كذلك الحال، إن نزوع الرجل على الأغلب، إلى البلاغة والإيجاز، لا يبرر لنا على الإطلاق، نفي وجود مَنْ يتربعون على (مَلَكَةٍ) مِنْ استطالة اللسان وتشعبه وانثناءاته، ما يمكنهم معه، تكسير و(طحبشة) أحدث ما توصلت إليه حواء في موسوعة (غينيس) للأرقام القياسية!
طموح رومانسي
سهلٌ عليَّ كمسؤول درجة كذا، يتوافر لي سيارة تنقلني إلى المكان الذي أريد، ومرتبي مع المهمات الملحوظة والمستورة، يؤمنان لي العيش المحترم في محيطي. أنْ أقول لكم: (الأحوال صعبة وبدها صبر!).
ليس صعباً أن أضيف: وعند الله لا يضيع شيء.
وقد أتفاصح وأزيد: (حب الوطن قتّال.. وبدها تضحية يا شباب!).
لكن ليس سهلاً عليك كمواطن (لا ظهر لك) وبطنك خاوٍ، تنتظر صيف شتاء وصبح مساء على قارعة الاهتمام ورصيف الوطن، ليس سهلاً أن:
تمرُّ بكَ الركبانُ سكرى مليئةً
وطَرْفُكَ شغّالٌ وحظكَ غائمٌ
ترنو إلى الذئبانِ شبعى سمينةً
وجوعُكَ فضّاحٌ ووجهكَ فاحمٌ
قد لا يتورع مديرك في العمل، عن اتهامك بالتآمر على المصلحة العامة، إذا ما تأخرت في الوصول إلى الدائرة.. ولا تتوانى (نصفك الناعم)، عن وصمك بالخيانة الزوجية، إذا ما تأخرت في الرجوع إلى البيت!
ليس سهلاً عليك كمواطن مخلص لعمله.. صادق في تعاطيه مع الآخرين قولاً وعملاً ونيةً، أن يأتي مَنْ يصف أمثالك – سراً أو علانية – بالغباء، ليحثّك على محبة الوطن!
وهكذا.. كلما ارتفعت درجة مسؤوليتي كمسؤول، ارتفعت مخصصاتي من الإمكانات المادية ووسائل الرفاهية وحقوق الملكية، وسهل عليَّ التغنّي بالعبارات الطنّانة، وإسداء النصح وإطلاق الأحكام..
كلما في المقابل، تكالبت الضغوطات عليك يا عزيزي المواطن.. وغامت الرؤية أمام بصرك وبصيرتك.. وأشكل عليك فهم ما يجري حولك.. وضاقت الدنيا على اتساعها أمام طموحاتك الرومانسية، في العيش الكريم والعمل الشريف داخل وطنك!
الحب
للحب بين رجل وامرأة، مكانته، بل وضرورته، لدى الفرد. الضرورة التي قلما يمكن الاستغناء عنها أو تعويضها. وللحب الأكبر، أو المحبة، وهذه تصح أن تكون بين البشر، من أبناء الجنس الواحد، أو بين جنسين اثنين. كما يصح إطلاق صفة المحبة، على علاقتنا كبشر، بالطبيعة وبالمحيط، بما فيهما وما عليهما، من مخلوقات ومصنوعات وأشياء. وكي لا نطيل أو نطنب في نعمة سيادة المحبة لدى قوم، ونقمة شحِّها أو انعدامها لدى قوم آخرين. يكفي أن نذكِّر بكلمات الكبيرين: جبران خليل جبران وغابرييل غارسيا ماركيز. حين قال الأول:
إذا نادتكم المحبة فاتبعوها، فالحبة لا تعطي إلا نفسها.
وقال الآخر: سأبرهن للرجال، مدى غلطهم بالابتعاد عن الحب، عندما يكتهلون. غير عالمين بأنهم، يكتهلون بابتعادهم عن الحب.
***
كثيراً ما يتناهى إلينا كَكُتَّاب، ومن أناس كثيرين – بمن فيهم أقرباء ومقربين – أخذهم علينا، حدَّ الاتهام، مخالطة الحب كتاباتنا (في هذه المرحلة الحرجة التي مرَّت وتمرُّ بها سوريا). يوجهون لنا الانتقاد، وكأن الحب لعنة أو معصية – على مَنْ ابتليوا به، أن يستتروا – وليس نعمة ومَحْمَدَة، حريٌّ بنا إعلانها وشكرها وإعلاؤها، في الظروف والأحوال كافة.
***
إذا اعتبرنا الحب، هو أنجع الأدوية الوقائية، ضد الأمراض والأوبئة التي تفتك بالفرد والمجتمع، جسداً وروحاً، زمن السلم، وأعتقده كذلك. فمما لا ريب فيه، أن سيكون – أي الحب – أنجع الأدوية العلاجية أيضاً، زمن الحرب. فالمحب، وبصرف النظر عن محتده ومآله ومذهبه ومقاله، لا يكره. وإن كره، فإنما يكره الخيانة والسرقة والظلم والفساد وما إلى ذلك.. المحب لا يكره، وإن كره لا يحقد، وإن حقد لا يقتل، وإن قتل لا يشوّه ولا يمثِّل!