من حكايات الزحام…

حزام أمان

وما زال شرطي السَّير السوري يصفر للسيارة التي يلقطها وسائقها لا يضع حزام الأمان والاطمئنان، ويخالفه، أو يأخذ منه المعلوم حسب شطارة السائق وظروف الشرطي الذاتية والموضوعية.. 

يقول له يا صديقي في الوقوف العبثي على المفارق والدروب إن زحام السَّير في البلد أصبح خارج التصنيفات، وإن أكثر سرعة يمشيها سائق في شوارع المدينة هي 0.1000كم/سا، فيصر على ضرورة احترام القانون، كلنا تحت القانون…

وعلى راسي القانون والدستور والانتخابات والقوائم المعلبة والمستقلين.. لكن يا صديقنا الواقف دائماً ألا تلاحظ معي أن عدد السيارات التي تمشي عكس اتجاه السير في بلدنا أصبح يساوي، ويعاكس عدد السيارات الماشية بأمان الله وحسب القانون والنظام.. فما أنت فاعل؟!

يصرّ على البقاء في صلب الموضوع: أوراقك..

حينها إما أن يناوله الأوراق أو يناوله أوراقاً أخرى فيشرق وجهه ويدعه يمر على مبدأ الإخوة الليبراليين: دعه يخالف.. دعه يمر…

رجل في خريف العمر، من أصحاب الوزن الثقيل والنفس الضيق، وقد مر بعدة جلطات وعَبَرها بخير وسلام، أوقفه الشرطي بجرم عدم وضع حزام الأمان فيما كان يقود سيارته المتهالكة في شارع خالد بن الوليد المكتظ بالسيارات من أوله لآخره، حتى لا يكاد دولاب السيارة يقلب، ودار الحوار التالي بعد أن دوى صوت صافرة الشرطي مشيراً له بالتوقف، أوقف الرجل سيارته على يمين السيارات الواقفة على يمين الطريق أو ما تبقى منه:

الشرطي: أوراقك

المواطن المجلوط: ليش شو عامل؟؟

 مو حاطط حزام

 ليش هو اسمو حزام شو؟؟

 حزام الأمان

 إي حبيبي، وين الأمان ليش؟ في أمان شي؟

وقف الشرطي مبهوتاً من السؤال..

تابع الرجل المجلوط: بس يكون في أمان بدي حط حزام الأمان وبدفعلك المخالفة إذا ما حطيتو..

ارتبك الشرطي ونظر حوله خائفاً من شيء ما… ثم تركه دون أن ينبث ببنت شفة (حلوة هذه ببنت شفه) ومضى يتأمل سيارة تمشي على الرصيف لتصل إلى مقصدها خارج الزحام وقد فتح سائقها الزمور على آخره.. ابتسم وطوى صافرته وذهب إلى مطعم الفلافل القريب ليتناول وجبته المفضلة… 

***

 

(البوز) المكسور

على الحاجز تقف سيارتان متلاصقتان، المرآة على المرآة، إحداهما تقودها امرأة في منتهى الأناقة، الأخرى يقودها رجل في منتهى العجلة… هنا في الزحام لا بدّ من اتّباع نظرية (البوز) وهي تتلخص بأنه عليك أن تضع مقدمة سيارتك أمام سيارة جارك فيضطر إلى إفساح المجال لك لتكمل المشوار وتاخذ مكانك أمام سيارته، لا بد من وضع (البوز) وإلاّ ستبقى متأخراً ولن يفسح لك أحد طريقاً، المرأة ملتزمة بخط سيرها دون انزياح يميناً أو شمالاً وتنظر إلى مرآة سيارتها الداخلية اكثر ما تنظر إلى الطريق لتتأكد من سلامة المكياج والاكسسوارات، الرجل مستعجل، يتحدث عبر الموبايل، ويزدرد سندوشة من فئة 4 إنش، ويكسر يميناً وشمالاً ليسبق السيارات المجاورة ولو بخطوة، يتبع نظرية (البوز) مع سيارة المرأة الشاردة في المرآة، فتتابع المرأة سيرها بثقة دون أن تبالي ببوز سيارته الذي أصبح أمام سيارتها، ثم… صوت اصطدام، شتائم من السائق الذي يترك السندويشة والموبايل وينزل من السيارة.. يصرخ بوجه المرأة التي بقيت وراء الدركسيون متمسكة به كتمسك طاغية بكرسيه..

ثم..  ينقشع الغمام، ترفع المرأة وجهها ليصاب الرجل بالصدمة: أهلين معلمتي.. آسف حقك عليي… ترمقه المرأة بغضب ثم تقول له: بسيطة حسابك عند أبو يعرب.. روح هلا وأنا لاحقتك لعندو.. 

الرجل الذي تحطّم (بوز) سيارته وسيارة الست لم يعد يعرف الطريق إلى مكتب ملعمه أبي يعرف. فيما أبو يعرب ينتظر الست في الفناء الخلفي للمكتب حيث كان الرجل مكسور البوز يدخل إليهما المشاريب والأطعمة كلما جاءت لزيارة المعلم.

العدد 1140 - 22/01/2025