فشل آخر.. الهوامير يجرّون «المركزي السوري» لسوق بيروت
حتى الأن على الأقل، يبدو الإجراء الذي أعلن عنه مصرف سورية المركزي بالتدخل بائعاً للقطع الأجنبي في سوق بيروت، فاشلاً بامتياز. وعقب أكثر من أسبوع على الإعلان المثير للدهشة، لابد للمركزي أن يملك الجرأة، وأن يشرح الحاكم أو نائبه أو أحد ممثليه عما حققه التدخل المزعوم من نتائج، والأثر الإيجابي للإجراء المذكور في مجال تحسين سعر الصرف، وتثبيته عند الحدود المرجوة، ومدى قدرته على تخفيف الضغط الهائل على الليرة المستهدفة، وإمكانية تجفيفه منابع المضاربة. أما وقد غاب عن الساحة كل هذا، فلن نستبشر خيراً، بإجراءٍ أثار الابتسامة، منذ لحظة إعلانه. فاجأنا (المركزي) بخطوته غير القابلة للتحقيق، سوق بيروت ليست تحت سيطرة المركزي، ولا يمكن أن يكون فاعلاً فيها بالشكل المراد لسبب بسيط جداً، يتمثل بأن المضاربة على الليرة السورية في إطار الحملة الممنهجة ضدها، تعد السوق البيروتية إحدى أدواتها التنفيذية. والمركزي الذي أثبت فشله في سوقه المحلية، وميدانه الذي لايقارعه فيه أحد، لن يكون قادراً على النجاح خارج حدود مملكته التي تتضافر فيها جهود جهات عدة لمساعدته، بينما في قلب (الحمرا) لن يقف معه أحد، حيث اللعب على المكشوف هناك، والمضاربة على الليرة لا يقوى المركزي على مواجهتها.
فشل المركزي في وضع حد لتراجع قيمة الليرة، وانخفاضها الكبير في سوق العملات، وأن إجراءاته التجريبية كالبيع بالمزاد، وبيع شرائح القطع، وتمويل المستوردات الضرورية، وتأمين مبالغ محددة من الدولار للمواطنين، وغيرها من الإجراءات التي بدأ يتخذها منذ عام 2011 لم يكتب لها النجاح، لأنها حملت في مضمونها عوامل فشلها الذريع. ولم يستطع المركزي أن يسدّ باب الذرائع، بل إنه يتحمل مسؤولية وطنية كبرى، تتمثل بتبديده احتياطات القطع الأجنبي، البالغة حسب تقديرات ما قبل الأزمة 18 مليار دولار. هذه الاحتياطيات يعلم القاصي والداني، أنها تكفي احتياجات الاقتصاد الوطني لمدة سنتين فقط، ومن هنا لابد من الانطلاق، للتأكد من قدرة المركزي على التدخل في سوق بيروت؟
لماذا سوق بيروت؟ هذا هو ذا السؤال الذي ظل بلا إجابة، لأن استهداف الليرة، يجري في عدد من العواصم والمدن العربية، وقبل أقل من عامين كانت جدة السعودية هي محطة المضاربة الرئيسية على الليرة، وكذا أكثر من مدينة أخرى. لكن تأثير هذه المدن لايقل شأناً وخطورة عما كان يجري على امتداد الجغرافية السورية. ومارست مدن الشمال السوري، وشرقه، إضافة إلى مضاربي دمشق، دوراً أخطر بكثير مما فعلته مدن العرب. وحتى الآن المضاربة الحقيقية تجري في سوقنا المحلية، ومخاطرها تفوق بكثير ما يجري في الخارج، حيث لا دور فاعل لنا.
ربّ سؤال لابد من طرحه، لماذا لايعلن المركزي عن تقديراته الأولية لحجم كتلة القطع الأجنبي المراد ضخها في سوق بيروت؟ ربما كان في هذا تجاوز لحدود المنطق، إلا إذا كان المركزي يريد أن يتدخل في تلك السوق كما يتدخل في سوقنا المحلية، التي استخدم فيها أسلوب العصا والجزرة، وملوحاً بسيف العقوبات والمحاسبة، بينما هاتان الأداتان لا يمكن له أن يستخدمهما في بيروت، وسوقها القائمة على حرية الصرافين. ويحق لنا التساؤل كم تراجع سعر الصرف في أسبوع؟ نجاح الإجراء الذي هلل له المركزي يرتبط بالنتائج المتحققة، وحتى الآن، الحصيلة غير مطمئنة. واستطاع المركزي، خلال أسبوع واحد، أن يكون أحد العوامل التي تغذي الاتجاه الصاعد لأسعار الصرف، إذ تجاوز سعر الصرف في السوق حاجز 230 ليرة، ولم يتراجع، بينما المركزي حدد سعراً تدخلياً تراوح ما بين 215 إلى 217 ليرة للدولار، أي أنه لحق بالسعر ولم يكبح جماحه. وهذا المستوى في السوق السوداء، لايثير المخاوف الكبرى، لأن سعر الصرف وصل إلى مستوى أعلى بكثير قبل أزيد من عام، مسجلاً 330 ليرة مقابل الدولار، وبالتالي مازال أمامنا الكثير حتى نكسر الحاجز غير المسبوق، بشرط اعتبار هذا الوضع فرصة بحد ذاتها ليتخذ المركزي ما يجب أن يتخذه من إجراءات تحافظ على الليرة، وتضع حداً لتدهور قيمتها.
يبدو الصمت المطبق للمركزي، أحد دلالات الخيبة المريرة التي لحقت بنا، وكشفت مدى عقمه التدخلي، وفشله في التعاطي مع ملف لايقل خطورة أو انفصالاً عن الأزمة السورية عامة. وببساطة شديدة، اتضح أن المركزي، عبر إجرائه المذكور، يحارب طواحين الهواء، ويلاحق سراباً، ويحاول اصطياد شيء في لحظة عجز كبرى. والحقيقة الثابتة فيما يجري هي أن جزءاً من الليرات السورية الموجودة في سوق بيروت، خرجت تحت أنظار المركزي، وأن من يريدون شراء دولارات من المركزي السوري في بيروت، هم من يمتهنون لعبة المضاربة، هؤلاء الهوامير سجلوا نقاط ربح كثيرة على المركزي، وآخرها جرّ المركزي إلى حيث يقيمون.