الموارد المائية والزراعة المروية

في إطار الدراسات التطبيقية لأوضاع القطاعات المنتجة في الاقتصاد السوري، وضع المكتب الاقتصادي التابع للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد دراسة متخصصة تتناول الموارد المائية والزراعة المروية. و(النور) تنشر هذه الدراسة لأهميتها، خاصة في وقت تعاني فيها زراعتنا جملة من الهموم.

تتميز الموارد المائية في سورية باختلاف مصادرها (جوفية، سطحية) (تقليدية وغير تقليدية) بأهمية خاصة واستثنائية، وذات بُعد استراتيجي وتأثير حاسم على مجمل التنمية الاقتصادية – الاجتماعية نتيجة تأثيرها المباشر على مقولة الأمن الغذائي، وبالتالي ارتباطها بالأمن القومي. أي تفكير أو إجراء يتم اتخاذه حيال هذا المورد يجب أن ينطلق من مبدأ الاستدامة في تأمين الطلب الحالي والمستقبلي لكافة الأغراض، الزراعية أو مياه الشرب أو الاستخدام المنزلي.

بشكل عام تعتبر سورية من البلدان ذات الموارد المائية المحدودة قياساً بحجم الطلب المتسارع على هذه الموارد، بسبب موقع سورية في المنطقة الجافة وشبه الجافة المحدودة في معدلات هطولاتها المطرية وحيث تشكل البادية السورية ما يقارب 55% من إجمالي المساحة، يضاف إلى ذلك ما يقارب 65% – 70% من إجمالي الواردات المائية التي تأتي من مصادر خارجية لم يتم التوصل إلى تقاسمها بشكل نهائي.

على الرغم من محدودية الموارد المائية المتاحة للاستخدام يلاحظ تدنٍّ في الكفاءة الفنية والاقتصادية لاستخدام هذه الموارد، وهو انعكاس لمستوى التقنيات المستخدمة في التزويد والتوزيع، وللبنى التحتية في مشارع الري واستصلاح الأراضي ومشاريع التزويد المدني لمياه الشرب والاستخدام المنزلي، وعدم التعاون الفعال لمستخدمي المياه مع الجهات الوصائية .

يضاف إلى ذلك غياب معايير معتمدة فنياً واقتصادياً لتقويم الأداء الفني والإداري للمشاريع المائية، وعدم احترام وتنفيذ القوانين الناظمة لاستخداماتها وحمايتها من الإستنزاف والتلوث، لذلك كثرت التعديات والمخالفات على كافة المصادر، وخاصة على المياه الجوفية التي أثّرت بشكل سلبي وأحياناً كارثي على التزوّد بمياه الشرب والاستخدام المنزلي. ولعب الفساد دوراً كبيراً في انتشار وتوسع هذه التعديات على مجمل الجغرافيا الوطنية، ومثال ذلك (ولا الحصر): جفاف ينابيع الخابور، والتناقص الخطير في تصاريف معظم الينابيع المخصصة لتوفير مياه الشرب والاستخدام المنزلي وبعض مشاريع الري.

من الطبيعي أن يزداد الطلب على المياه بشكل متسارع كنتيجة طبيعية لازدياد عدد السكان المطرد، مما يقتضي وضع مشكلة المياه واستدامتها لكافة الأغراض على سلم الأولويات أمام أي حكومة جادة لأنه، كما هو معلوم، لايمكن استيراد المياه لتغطية العجز ولتأمين الطلب المستقبلي. وهذا يعني وضع الأمن الغذائي رهناً للاستيراد الذي تتحكم به عوامل سياسية، مما يؤدي إلى المساس باستقلالية القرار الوطني.

من خلال تحليل المعطيات حول مساهمة قطاع الزراعة المروية في إجمالي الناتج نلاحظ انخفاضه من 30% إلى 17%، وارتفاع نسبة مساهمة القطاعات الريعية، مما ادى إلى انخفاض نسبة العاملين في القطاع الزراعي وهجرتهم إلى المدن، أو بالأحرى إلى محيط المدن، وبروز تجمعات سكانية وتوسع مناطق المخالفات التي افتقرت إلى أدنى الخدمات الإنسانية، وترافق هذا مع عجز كامل للحكومات المتعاقبة عن معالجة هذا الموضوع.

من المعروف أن مساهمة الزراعة المروية في إجمالي الإنتاج الزراعي يترواح بين 55-70% – 70% من إجمالي إنتاج القمح وذلك تبعاً لمعدلات الهطول المطري إضافة إلى 100% من إنتاج السلع الزراعية اللازمة للصناعة التحويلية (القطن الشوندر السكري…..)

أشرنا أعلاه إلى أن سورية تعتبر من الدول ذات الموارد المائية المحدودة مقارنة بحجم الطلب المتسارع، إذ إن حصة الفرد من هذه الموارد وبإختلاف مصادرها تتناقص إلى حدود خطيرة، حيث كانت بحدود 1000 م3 / فرد/سنة، في نهاية القرن الماضي لكافة الأغراض، وتتناقصت إلى مايقارب 800/ م3/ فرد / سنة عام 2000 وسوف تتراجع إلى مايقارب 500/م3 /فرد/ سنة في عام 2020 وسيؤدي ذلك إلى وضع من الصعوبة فيه تحقيق الأمن الغذائي، وحتى تأمين الطلب على محاصيل استراتيجية مثل القمح، وإلى بروز مشكلة تنازع المصالح بين القطاعات المختلفة المستخدمة للمياه، وخاصة الزراعة ومياه الشرب، مع الإشارة إلى أن حد الفقر المائي المعتمد لدى الأمم المتحدة هو1000م3 /فرد/سنة لكافة الأغراض.

نتيجة للأعمال الارهابية للقوى التكفيرية تعرضت معظم المنشآت المائية وبناها التحتية (مشاريع الري واستصلاح الأراضي، مشاريع مياه الشرب والاستخدام المنزلي) لدمار كبير، إضافة إلى توقف تنفيذ المشاريع الجديدة والاستثمار الجزئي والكلي للمشاريع المنجزة وعلى سبيل المثال لا الحصر:

– توقف العمل في مشروع دجلة الاستراتيجي من حيث تنفيذ محطة الضخ وإنجازها، وأعمال الدراسات والتحريات للمناطق المستهدفة (الطبوغرافية – التربة – الجيولوجية).

– توقف العمل في تنفيذ معظم مشاريع الري واستصلاح الأراضي، وإعادة التأهيل في مشاريع الفرات  (الأعلى – الأوسط – الأدنى).

– توقف العمل في بناء السدود (برادون – خان طومان – وادي أبيض – زيزون – أفاميا).

– توقف العمل في تنفيذ مشاريع مياه الشرب والاستخدام المنزلي (مشروع نقل مياه نبع عين الزرقا إلى ادلب والقرى والبلدات).

– سرقة ونهب معظم الآليات الهندسية الثقيلة ووسائط النقل الكبيرة والصغيرة للشركات المنفذة، والمؤسسات المسؤولة عن أعمال الصيانة والتشغيل.

– السيطرة على منظومات سدود الفرات، والتحكم في محطة ضخ البابيري التي تزود مشاريع الري واستصلاح الأراضي في الفرات الأعلى وسهول حلب، إضافة إلى تزويد محافظة حلب بجزء كبير من مياه الشرب.

– نهب وسرقة مستوداعات الشركات العاملة في مجال التنفيذ والإشراف وإدارة مشارع الري واستصلاح الأراضي، مشاريع مياه الشرب والاستخدام المنزلي. مشاريع بناء السدود، وبيعها لتركيا.

– الحفر المخالف للآلاف من الآبار في معظم الأحواض المائية مما أدى إلى تأثيرات سلبية على الينابيع ومناسيب المياه الجوفية .

إن هذه التعديات من قبل القوى الإرهابية وبتشجيع من قبل الدول الداعمة لها، أدت إلى خسائر كبيرة مباشرة، يضاف إلى ذلك فوات المنفعة التي نجمت عن توقف تنفيذ المشاريع المقررة واستثمار الأراضي المستصلحة في ريف حلب، التي تقدر بمئات المليارات من الليرات السورية.

نعتقد أن تنفيذ المقترحات التالية قد ينعكس إيجابياً على كفاءة استخدام الموارد المائية في الزراعة وتأمين مياه الشرب والاستخدام المنزلي بشكل مستدام (دون الدخول في التفاصيل).

الموارد المائية

– تقويم واقع تخزين السدود التي هي قيد الاستثمار، لبيان إمكانية تجهيزها بعنفات إنتاج الطاقة الكهربائية.

 وكذلك للسدود قيد التنفيذ والتصميم (في حوض الساحل)، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار لطلب المحلي – المستقبلي على الطاقة الكهربائية عند دراسة الجدوى الاقتصادية، أي بمعنى آخر دراسة استشرافية للجدوى الفنية والاقتصادية.

في مجال الموارد المائية:

أ- تطوير القانون (31) لعام 2005 تماشياً مع الأهمية الكبيرة والحاسمة للموارد المائية، بحيث تُشدّد الإجراءات الجزائية وآليات تنفيذها، مع ضرورة إحداث محاكم مائية متخصصة لاتخاذ القرارات اللازمة لقمع المخالفات، قبل أن يترتب على المخالفة أية حقوق مكتسبة.

ب- إزالة كافة التعديات والمخالفات على حرم المصادر المائية أو المنشآت التابعة لها دون أية استثناءات.

ج- الزام كافة النشاطات الاقتصادية (سياحية وصناعية وغيرها) بإقامة محطات لمعالجة الراجع الصحي قبل صرفه إلى المصدر المائي، والتقيد بالمواصفات القياسية المعتمدة، مع الإصرار على تسريع إنجاز محطات الصرف الصحي لمعالجة الراجع لمياه الشرب والاستخدام المنزلي.

د- إعادة هيكلة وزارة الموارد المائية بما يتماشى ومضمون القانون (31) لعام 2005 أي العودة إلى مبادئ الإدارة المتكاملة التي تقتضي وحدة إدارة الحوض المائي بدلاً عن الهيكلية الحالية التي أدت إلى تعدد مراكز اتخاذ القرار، مما أدى إلى زيادة في حدة التنازع في تحصيص المياه لكل محافظة أو قطاع.

هـ- تحديد مهمة الهيئة العامة للموارد المائية كجهة وصائية كاملة الصلاحية على إدارة وتطوير الموارد المائية، وحمايتها من الاستنزاف والتلوث، والإشراف على كافة محطات وتجهيزات رصد وقياس المصادر المائية، إضافة إلى المراقبة والتقويم والتحليل والمعالجة، وكجهة وحيدة مؤهلة لإعطاء أي بيانات حول الموارد واستخداماتها، واقتراح الاستراتيجيات اللازمة للتطوير والاستخدام الرشيد، وبيان مواقع الخلل وآليات المعالجة بما يضمن ديمومة المصادر المائية.

و- توحيد جهة الإشراف على أعمال الصيانة والتشغيل لمشاريع الري واستصلاح الأراضي بدل توزعها على عدة جهات (المؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي – الهيئة العامة للموارد المائية)، مما يؤدي إلى تخفيض النفقات وزيادة كفاءة وإنتاجية عمل الآليات والتجهيزات المخصصة لذلك (لا يمكن تنفيذ أعمال الصيانة والتشعيل شتاءً في المناطق ذات الهطولات الكبيرة، بينما يمكن استخدامها في المناطق الأخرى).

ز- إغلاق كافة الآبار المخالفة مهما كانت الصعوبات والعقبات والمبررات لما أدت إليه من تأثيرات خطيرة على مصادر مياه الشرب والري، واعتماد إحصاء (2001) أساساً لتسوية وضع الآبار، مع التأكيد على ضرورة إجراء إحصاء جديد للآبار المخصصة لكافة الأغراض وإسقاطها حسب الإحداثيات على المخططات.

ح- ضرورة إعادة النظر في رسوم الري (تشغيل وصيانة)، بحيث تفرض على كمية المياه المستخدمة وليس على وحدة المساحة كما هو حالياً، بدون ذلك نعتقد أنه من المستحيل تحقيق أي تقدم في ترشيد وتحسين استخدامات المياه.

ت- ضرورة قيام وزارة المالية بتحصيل رسوم الري المترتبة على مستخدمي المياه (الصيانة والتشغيل) كي تستطيع الجهات صاحبة العلاقة من تنفيذ الأعمال المطلوبة، رغم أن هذا الرسم لا يشكل أكثر من 15% – 20% من التكلفة الحقيقية، يضاف إلى ذلك استرداد تكاليف تنفيذ مشاريع الري واستصلاح الأراضي والموزعة على فترة استرداد خلال /30/ عاماً، والمقدرة بمليارات الليرات السورية لتمكين المؤسسات والشركات المختصة من تنفيذ المشاريع الجديدة أو إعادة تأهيل بعضها.

ص- نرى ضرورة إعادة تابعية الشركات المخصصة بالدراسات وتنفيذ المشاريع المائية واستصلاح الأراضي إلى وزارة الموارد المائية، كونها متخصصة تحديداً في هذا المجال.

ض- انطلاقاً من مضمون قانون التشريع المائي رقم (31) لعام 2005 الذي يعتبر المياه بغض النظر عن مصادرها ملكية عامة، نرى من الضرورة فرض رسم محدد على وحدة المياه المستجرة للاستعمال من قبل (المطاعم، الجامعات، المستشفيات، المراكز الصناعية) ويشمل هذا الآبار الخاصة المستخدمة من قبل هذه الجهات.

ي- انطلاقاً من المبدأ زالملوث يدفعس لارتباط ذلك بكمية المياه المستخدمة من قبل المواطن لأغراض الشرب والاستخدام المنزلي، ولتحقيق الهدف المحدد لترشيد استخدامات المياه، يجب زيادة في قيمة وحدة المياه لكل الشرائح باسثناء الشريحة الأولى.

ك- ضرورة إنجاز المخطط المائي العام بدءاً من أصغر وحدة إدارية إلى مستوى الأحواض والحويضات وعلى مستوى المحافظة إن تعذر تبين تطور الطلب ومصادره بالارتباط مع النمو السكاني. أصبح هذا من الضرورات الملحة لتحديد واقع تطور الطلب والمتاح للتمكن من وضع الاستراتيجيات اللازمة للاستشراف المستقبلي.

ل- نقل وصاية وتابعية مؤسسات مياه الشرب والاستخدام المنزلي وشركات الصرف الصحي إلى وزارة الإدارة المحلية تماشياً مع قانون الإدارة المحلية المعتمد.

م- تفعيل دور جمعيات مستخدمي المياه في إدارة وتوزيع مياه الري على مستوى الحقل، إضافة إلى أعمال الصيانة لأقنية الري الحقلي والمصارف. إذ ليس من الطبيعي أن تستمر وزارة الموارد المائية والمؤسسات التابعة لها في القيام بذلك خلافاً لما ورد في القانون (31) لعام (2005). ومن المستغرب ألا يجري تنفيذ ذلك في سورية، بينما نرى قيام جمعيات مستخدمي المياه لكافة هذه الأعمال وبشكل ناجح جداً في كل من تونس والمغرب.

2- في مجال الزراعة :

ضرورة زيادة مردود الأراضي المروية إلى مستويات تجعل من الزراعة المروية أكثر اقتصادية   وريعية للخزينة العامة، وللدخل المزرعي للفلاح. نبين على سبيل المثال لا الحصر مايلي:

– وسطي مردود وحدة المساحة المروية من القمح على المستوى الوطني هو بحدود 5,3 طن/ هكتار، بينما يبلغ في كل من مصر وتونس 5,6 طن/ هكتار.

– إن تكاليف الصيانة والتشغيل (وسطياً) بالأسعار الحالية التقريبية للمدخلات هو 25 إلى 30 ألف ليرة سورية / هكتار/ سنة.

– الطلب الحالي على القمح هو بحدود 3 إلى 2,3 مليون طن / سنة.

– ما تستلمه الدولة وسطيا من القمح في أفضل السنوات بحدود 3 مليون طن/ سنة، وقد ينخفض إلى ما دون ذلك، مع الاشارة إلى أن وسطي ما استلمه مكتب الحبوب خلال الفترة (2008 – 2010) كانت كميته 2,588 مليون طن بصوامع الحبوب، وتراجع إلى (2.55-1.96-0.839)طن حسب التوالي (2011-2012-2013) وذلك نتيحة الأعمال الإرهابية من ناحية، وسرقة مخزونات القمح وبيعها إلى تركيا من ناحية أخرى.

– بشكل عام يمكن القول إن استمرار هذا المردود للقمح المروي حتى ما قبل الازمة يعني الاعتماد على الاستيراد لتلبية الطلب. مما يقتضي السعي الجدي والحثيث لزيادة المردود إلى 5 أطنان/هكتار وفق خطة مبرمجة، ومن ثم إلى 6 أطنان/هكتار، خلال فترة زمنية لا تزيد عن عشرة سنوات، وهذا يقتضي:

1- الالتزام بدورة زراعية لا تزيد نسبة النجيليات للقمح فيها عن 50%، وإدخال الزراعات البقولية والعلفية في التركيب المحصولي.

2- إدخال تربية الحيوان أساساً في الدورة الزراعية من خلال الزراعات العلفية (بقوليات وغيرها)، مما سيؤدي إلى زيادة في المردود وريعية أكثر للدخل المزرعي للفلاح وخزينة الدولة، وتحسين الكفاءة الاقتصادية للزراعة المروية.  لابد من الإشارة إلى ما اتفق عليه وما تمخض عنه مؤتمر دير الزور في شباط 2011 من قرارات ملزمة لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بزيادة مردود القمح المروي إلى 5 طن (بحضور كافة الوزراء المختصين).

3- ضرورة وضع برنامج وطني لإعادة تأهيل الثروة الحيوانية يشارك في تنفيذه (الاتحاد العام للفلاحين، اتحاد الغرف الزراعية، وزارة الزراعة) لاستيراد الأبقار وتوزيعها على الفلاحين بقروض كبيرة.

العدد 1140 - 22/01/2025