من الصحافة العربية العدد 697
هو أكثر من لقاء تضامني ضاقت به قاعة المؤتمرات في فندق الـ(كورال بيتش) في بيروت، وهو أكثر من مؤتمر صحافي أقامه رئيس مجلس إدارة قناة (الميادين) (الأخبار 5/11/2015) غسان بن جدّو عُقد على خلفية وقف بث القناة على قمر (عربسات). وسط حضور عدد من مديري مجالس قنوات وصحف لبنانية، أبرزهم ناشر صحيفة (السفير) طلال سلمان، ونائبة رئيس مجلس إدارة قناة (الجديد) كرمى الخياط، ورئيسا مجلسي إدارة (المنار) إبراهيم فرحات و(النور) يوسف الزين، وعدد من الشخصيات الإعلامية والسياسية، استمعنا إلى جلسة مكاشفة بكل ما للكلمة من معنى.
كشف الإعلامي التونسي حقائقاً ووقائعاً سُردت للمرة الأولى على الهواء. طيلة سنوات، حبس الرجل مضايقات جمّة لوأد القناة حتى قبل أن تولد في حزيران ،2012 آتيةً من جهات ودول عربية وخليجية لم يفصح عن أسمائها، لكن يكفي السرد لمعرفة حقيقة ما وصلت إليه قناة (الواقع كما هو) اليوم، من إسكات صوتها على (عربسات) وابتزاز الأخيرة للحكومة اللبنانية، ملوّحة بفسخ تعاقدها مع الدولة اللبنانية ونقل محطة بثها إلى العاصمة الأردنية. كل ذلك اعتراضاً على مداخلة مستشار مجلس الشورى الإيراني حسين شيخ الإسلام (30/9/2015) في نشرة أخبار الساعة العاشرة ليلاً على القناة، إذ انتقد السعودية لتقصيرها في حادثة منى الشهيرة ومقتل الحجّاج. هذا الأمر أزعج السلطات السعودية، فعمدت إدارة القمر العربي (الذي يتخذ من الرياض مقرّاً له وتملك السعودية 36 في المئة من أسهمه) إلى الوقف المفاجئ والنهائي لقناة (الميادين)، ضاربة بذلك كل إجراء تدريجي قانوني وتفاوضي يمكن أن يحصل بينها وبين القناة. أضف إلى ذلك أنهم (طلبوا منا عدم التعاطي مع الملف اليمني من زاوية إنسانية وعدم الحديث عن استهداف المدنيين) وفق بن جدو.
هذا الترهيب، ومحاولة إطفاء هذه الشاشة، قد يكونان – بخلاف السائد – بالأمر الهامشي مقارنة بما كشفه بن جدّو عن ضغوط مورست على قناته من جهات عربية سياسية رسمية قدمت وثائق إلى الاتحاد الأوربي و إلى الإدارة الأمريكية تحذر فيها من أنّ القناة (إرهابية ومعادية للسامية). لكن بعد رصد دام ثلاثة أشهر، فوجئت هذه الأطراف بأن لا وجود لهاتين الذريعتين في قاموس (الميادين). ومع سقوط هذا الادّعاء، واظبت هذه الجهات العربية وغيرها من الدول العربية الكبيرة على تشويه صورة (الميادين) وبث الدعاية المغرضة عبر تقارير إعلامية تدّعي أن القناة (باتت تشكل خطراً حقيقياً)، ومع ذلك استمرت حملات التشويش على المحطة.
أمام القناة قدرات تقنية ولن تتوقف أبداً ويستطيع أيّ كان مشاهدتها أينما كان طيلة ثلاث سنوات وأربعة أشهر (عمر القناة)، شاء بن جدّو كتمان كل هذه التهديدات، والركون إلى لغة الهدوء والعقل، وعدم استثمار القضية إعلامياً ودعائياً في قناته. هذا الكتمان سرى أيضاً على قطع البث عبر قمر (عربسات) أيضاً، إذ أراد التعامل مع الموضوع تعاملاً هادئاً وقانونياً. لكن حالما تسرّب الخبر إلى الرأي العام، قرّر الإعلامي التونسي كشف جميع الأوراق، وإطلاع الجمهور على كل ما يحدث خلف الكواليس.
في هذا الفضاء العربي المزدحم الذي تسيطر فيه المملكة العربية السعودية على نسبة تفوق 95% منه، وأغلبه بات منبراً ترويجياً للكراهية والتحريض المذهبي، أزعجها صوت ضيف إيراني على قناة (الميادين)، فأوعزت بقطع البث عنها عربياً. ألغى (عربسات) بثّ القناة عن قمر C5 الذي يغطّي أفريقيا ودول المغرب العربي، وبقي بثّ القناة عبر مدار (بدر 4) المطالب بتوقيفه من لبنان. الأمر اعتبره بن جدّو (دليل إخفاق)، لتتحوّل القضية اليوم من إعلامية تضامنية إلى قضية (رأي عام عربي)، على حدّ قول بن جدّو. بالنسبة إليه، أصبحت هذه القضية (المعركة الأساسية)، معركة رأي عام عربي لقناة أسقطت (الثورات المزيفة) أو ما سمّي (الربيع العربي). ورغم كل هذا التهويل والترهيب، أكّد بن جدّو، خلال المؤتمر، أنّ أمام القناة (إمكانات تقنية ولن تتوقف أبداً، ويستطيع أيّ مشاهد أن يلتقط بثّنا أينما كان)، مشدداً من جديد على ثوابت القناة التي أُعلم بها جمهورها لحظة ولادتها على الهواء: التمسّك بالمقاومة في لبنان وفلسطين وأينما وجدت. وهنا، كان التساؤل واجباً من قبل بن جدّو: (هل هي مصادفة أن يتزامن هذا القطع مع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية؟). سؤال يشرّع بقوة، خاصة مع كشف بن جدّو عن محاولة تصوير القناة من جديد، ومن خلال تغطيتها لهذه الانتفاضة، بأنها منبر يعادي (السامية). هذا الترويج لم يأت من جهة (إسرائيلية)، بل من جهة عربية.
ورغم عمرها القصير، استطاعت القناة رسم خطّ إعلامي ملتزم بقضايا الأمة والمجتمعات العربية، فكانت صوتاً مدوياً لفلسطين ولقدسها، في وقت تخاذل فيه العرب حتى عن المواكبة الإعلامية للقضية الأساس، وكانت أيضاً صوت العقل والتقريب بين الأديان والمذاهب. ورغم انحيازها إلى هذه القضايا وإشهار ثوابتها، لم تقفل بابها أمام أي ضيف قد يعارض توجهاتها، فكانت صرحاً لجميع الآراء على تنوّعها. وخلال المؤتمر الصحافي، عرض تقرير تلفزيوني يظهر عدداً من الآراء والمداخلات التي تنتقد بقوة وقساوة حتى حلفاء هذه القناة.
(الأخبار)