موسم المونة.. المستهلك يغيّر عاداته الاستهلاكية
بدأ موسم المونة، وبدأت معه خطط المستهلكين الاستراتيجية من أجل تجاوز هذا الموسم الذي يكلف الكثير من المال، ووفقاً للعادات التي اشتهرت بها الأسر السورية، تشهد هذه الأيام تمويناً لبعض أنواع الخضار الصيفية مثل البازلاء والفول والخيار وبعض أنواع الفواكه، وبالطبع أسعار المواد السابقة لم تكن ثابتة بل متغيرة، ومتفاوتة كثيراً بين يوم وآخر بل بين بائع وآخر، ولا شك أن لكل سببه وغايته، ويبقى المستهلك الذي يريد أن يموّن هو من سيحمّل أعباء الأسباب وحده.
على الرغم من أن موسم المونة تأثر كثيراً مقارنة مع سنوات ما قبل الأزمة التي تمر على سورية، إلا أنه لا يزال يشهد حركة من الممكن أن توصف بالضعيفة نسبياً مقارنة مع المواسم السابقة، وذلك لعدة أسباب منها انقطاع التيار الكهربائي، والخشية من أن يشهد هذا الصيف انقطاعات طويلة كما شهدها المواطن خلال الأعوام السابقة، مما أدى إلى تلف المواد الممونة، وبالتالي خسارة محتمة يتعرض لها المستهلك.
بالطبع الأسعار كعاداتها لم تعرف الانخفاض، بل لم تشهد سوى الارتفاع فقط في أسواقنا، وكان لها أثر أيضاً على حجم المونة وطلبها في أسواقنا، إذا قارنا أسعار موسم المونة هذا مع الموسم السابق، نجدها قريبة جداً، فقد كان سعر كيلو البازلاء خلال الفترة نفسها من عام 2014 نحو 175 إلى 200 ليرة، ولكن كان في 2013 نحو 100 ليرة فقط.
البائعون حالياً لديهم حججهم لرفع الأسعار، وكأن البازلاء والفول تُسعران وفق سعر الصرف، حتى بات فارق الأسعار للسلعة نفسها بين بائع خضار وبائع آخر واضحاً وكبيراً، مما يثير تساؤلاً مفاده: من الذي يتحكم بأسعار المواد الغذائية؟ والسؤال الأهم هو كيف واجه المستهلك موسم المونة رغم كل المنغصات التي تواجه الموسم وتواجه المستهلك أيضاً؟.. وهل حافظت الأسر على الكمية نفسها التي كانت تشتريها في الأعوام السابقة أم طرأ تغيير عليها ؟
المستهلك غيّر عاداته
تغيرت العادات الاستهلاكية لدى المستهلك حالياً في ظل الأزمات التي تمر عليه، وآخرها الكهرباء، حيث توّجه المستهلك إلى أساليب الأجداد، وبدأ يقوم بتجفيف المونة بدلاً من وضعها في الثلاجات، حيث لم يعد الحفظ الذي يعتمد على الكهرباء مناسباً حالياً في ظل انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.
كما أن قدرة المستهلك حالياً على شراء المونة انخفضت كثيراً، إذ يكلف كيلو البازلاء نحو 400 ليرة مفصّصاً، وأصبح كيلو الباذنجان بـ150 ليرة، والجزر الذي كان يباع بـ20 ليرة أصبح حالياً يتراوح ما بين 125 و150 ليرة، عدا أن هناك الكثير من المواد يتجه المستهلك لتموينها، ولكن مع ارتفاع الأسعار لن يستطيع تموينها سواء الملوخية، والثوم والبازلاء والفول، والباذنجان والبندورة والخيار وبعض أصناف الفواكه، وهذا يشير إلى أن أسعار مواد المونة أصبحت عالية جداً، مع وجود تفاوت كبير في أسعار السلعة نفسها بين بائع خضار وأخر بنسبة تصل إلى 25%.
متابعون رأوا أن الإقبال على موسم المونة الحالي يعتبر ضعيفاً جداً مقارنة مع المواسم الأخرى نتيجة للعوامل السابقة، كما أن نفاد المواد في الأسواق قليل، حيث لجأ المستهلك للترشيد في استهلاكه، وأشاروا إلى أن المستهلك يواجه واقعاً مادياً أليماً يحتاج إلى معالجة من الجهات صاحبة الشأن.
أسعار المونة مستقرة مقارنة مع العام الماضي
وشهدت أسعار مواد المونة استقراراً مقارنة مع العام الماضي، حيث تراوح سعر كيلو البازلاء 175 ليرة بقشره، في حين بلغ سعره مفصصاً نحو 350 ليرة للكيلو، أما الفول فسعره 90 ليرة للكيلو، والخيار البلدي بلغ سعره نحو 165 ليرة للكيلو، والثوم بلغ سعره نحو 225 ليرة، وفي حال مقارنتها مع العام الماضي، فهي تعتبر شبيهة معها.
المتابعون لفتوا إلى أن الحالة المادية أصبحت صعبة جداً لدى معظم المستهلكين، وخاصة أن العديد منهم فقدوا أعمالهم، لافتاً إلى أن المونة أصبحت من الكماليات لدى معظم الأسر ولم تعد تلتفت إليها حالياً لأنها تشكل عبئاً ثقيلاً على ميزانياتها، وفي حال أرادت أن تخزن بعض المواد الغذائية للشتاء، فإن ذلك سيقتصر على كميات ضئيلة جداً مقارنة مع الأعوام السابقة، ذلك أن معظم الأسر حالياً تواجه ارتفاعاً في أسعار معظم السلع الأساسية والخدمات وأجور النقل والأطباء والأدوية والفواتير وغيرها، وبطبيعة الحال لم يكن دخل الأسرة يكفي سابقاً، فكيف سيكفي حالياً لشراء المونة، إلا إذا ادخرت لهذه العملية، وأعتقد أنها لم تستطع الادخار في ظل ضعف دخلها وقدرتها الشرائية.
وأشاروا إلى أهمية أن يكون هناك تدخل من قبل مؤسسات التدخل الإيجابي في هذا الموسم لطرح مواد المونة بأسعار منافسة ضمن صالاتها، ولفتوا إلى أنه على الحكومة أن تجد حلاً لضعف القدرة الشرائية للمواطن، وتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل بمشاركة القطاعات الأخرى، وإحياء الصناعة المحلية لدفع عجلة الاقتصاد المحلي للتحرك وتخفيف الضرائب على ذوي الدخل المحدود لأن دخلهم أصبح مستهلكاً بالكامل.
انخفاض حجم المواد الممونة لنحو النصف
أبو أحمد (بائع خضار وفواكه) أكد أن ارتفاع أسعار الخضار أثّر تأثيراً كبيراً على حركة البيع، لافتاً إلى أنه لو كانت أسعار مواد المونة منخفضة لكان هناك إقبال أكبر عليها من قبل المشترين، مشيراً إلى أن المشتري حالياً خفّض كمية شرائه لنحو النصف من مختلف المواد.
وعن سبب ارتفاع أسعار مواد المونة، لفت إلى أن أجور النقل أثّرت على الأسعار، وخاصة بعد رفع أسعار المازوت والبنزين، كما أن هناك العديد من الصعوبات تواجه المزارع، مع ارتفاع تكاليف الإنتاج واعتماده على الري باستخدام المازوت، وارتفاع أسعار الأسمدة، وصعوبة تسويق المواد من أماكن الإنتاج إلى أماكن الاستهلاك، فمجمل هذه العوامل أثرت على الأسعار النهائية للسلعة.
أحد المواطنين أوضح أن موسم المونة اقتصر على الأغنياء فقط، ولم يعد بمقدور ذوي الدخل المحدود متابعة هذه العادة القديمة، وفي حال أراد فإن ذلك سيكون بكميات قليلة جداً مقارنة مع ما كان عليه سابقاً، ذلك أن المستهلك انصرف حالياً إلى أمور أشد أهمية، كما لم يعد هناك فرق بين أسعار المونة حالياً وأسعارها في الشتاء، فلماذا يموّن؟..ولماذا يضغط نفسه مادياً، وهل يأتي بالمونة لكي يتلفها بعد ذلك في ظل انقطاع الكهرباء؟
تفعيل التدخل الإيجابي في أسواقنا
بعد العرض السابق، لا بد من الإشارة إلى أن ضعف الإقبال على موسم المونة كان كغيره من المواسم الأخرى، سواء مواسم الأعياد أو مواسم المدارس، وذلك نتيجة ضعف القدرة الشرائية لدى المستهلكين وتعطل الكثير من الأسر عن العمل، نتيجة الأزمة الراهنة، وهذا يحتم بالطبع على أهمية التدخل الحكومي والمجتمعي لتحمل المسؤولية الاجتماعية تجاه ذوي الدخل المحدود وعديمي الدخل، بحيث يتم توفير فرص عمل سريعة وفورية للمتعطلين عن العمل وتفعيل التدخل الإيجابي أكثر في الأسواق.