في الذكرى الثانية لرحيل الدكتور داود حيدو

عامان مضيا وأنت غائب عن الوطن والأهل والأحبة، يا له من غياب قاس، والعدوان الرجعي الاستعماري التكفيري مستمر على وطننا الغالي، والشعب السوري صامد صمود الأبطال رغم قساوة هذا العدوان ومرارته، وجيشه يستبسل في الدفاع عن الأرض والوطن بكل ما أوتي من عزيمة وقوة وبسالة نادرة على مدى أربع سنوات، فهو يستحق الاحترام والتقدير، ولشهدائه وشهداء شعبنا الرحمة والخلود.

إن هذه الهجمة الشرسة  قد أثرت تأثيراً سلبياً على الأوضاع المعيشية والاجتماعية للشرائح المتوسطة والمنخفضة الدخل، خاصة بعد فرض الدول الاستعمارية والإمبريالية العقوبات الاقتصادية، والتدمير الممنهج الذي مارسته العصابات المسلحة للمنشآت الاقتصادية والصحية والتعليمية والخدمية والبنى التحتية، وخروج أبار النفط عن سيطرة الحكومة في المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية، فضلاً عن عدم وجود تنمية اقتصادية اجتماعية متوازنة قبل الأزمة تنهض بالاقتصاد الوطني، تقوم على قطاع عام وخاص ومشترك وتعاوني وأهلي، تلتزم كلها بخطط الدولة التي تشمل كل أوجه المجتمع.

إن جميع هذه العوامل أدت إلى ضعف في الإيرادات وضغوط كبيرة على الموازنة، فلجأت الحكومة كما في الحكومات السابقة إلى الأسلوب الأسهل والأسرع لتوفير الموارد المالية اللازمة عن طريق تقليص الدعم (تحت مسميات مختلفة: الدعم لمستحقيه أو عقلنة الدعم) للعديد من المواد الأساسية كالخبز (وهنا أود أن أشير إلى أن فقيدنا الراحل داود، كان يعارض بشكل قاطع رفع سعر الخبز ويقول: هذا خبز الشعب من قمح الوطن، لا يجوز زيادة سعره) والسكر والرز والكهرباء والماء والاتصالات والمشتقات النفطية، في ظل الغلاء الفاحش، وثبات الدخول منذ أكثر من ثلاث سنوات، وارتفاع نسبة البطالة والتشرد والنزوح. مما أنعكس ارتفاعا جديداً وغير مسبوق في أسعار مختلف السلع والمواد والخدمات نتيجة جشع غالبية التجار، وأثر ذلك سلباً على دخل المواطن وقدرته الشرائية بسبب تفاقم الفجوة بين الأسعار والأجور. في حين أنه كان على الحكومة استخدام إجراءات أخرى في هذه الظروف لتأمين الموارد المالية الضرورية، وذلك بمكافحة التهرب الضريبي، ومكافحة الفساد الإداري والمالي، ومكافحة السوق السوداء والمتاجرة بالمواد المدعومة، ومكافحة الهدر وترشيد الإنفاق الحكومي في مؤسسات الدولة كافة.

إن معالجة انخفاض القوة الشرائية للمواطن يمكن تحقيقها من خلال زيادة الرواتب والأجور التي أصبحت مطلباً شعبياً ملحاً لجميع العاملين في القطاعين العام والخاص، مع حماية هذه الزيادة بوضع حد لارتفاع الأسعار عن طريق ضبط السوق ولجم جشع التجار، والانتقال إلى تخفيض مستوى الأسعار على أن تكون هذه الزيادة مجدية بما يتناسب مع الفائض المحقق من تقليص الدعم، إضافة إلى تصحيح الزيادة وفق المؤشرات الجانبية التي تظهر لاحقا.

ويحضرني في هذا المجال مقالة الفقيد الغالي المنشورة في صحيفة (النور) بتاريخ  6 كانون الثاني 2011 تحت عنوان (زيادة الأجور أصبحت من الحقوق التي لاتحتمل الجدل)، إذ أكد فيها ضرورة (ربط زيادة الأجور بارتفاع الأسعار وليس بالتضخم، وذلك بموجب سلم متحرك كل ستة أشهر، يضاف إلى ذلك حصة العاملين في نمو الدخل الوطني، وربط زيادة الحد الأدنى للأجور تباعاً مع زيادة الأسعار بما يضمن مستوى معيشة مقبولاً في بداية كل عمل).

في هذه الظروف الصعبة والقاسية على الوطن والمواطن، تمر الذكرى الثانية لرحيل الدكتور داود حيدو، الذي رحل في وقت نحن والوطن بأمس الحاجة إليه وإلى فكره وقلمه ورؤاه، ولكن عزاءنا يبقى في الإرث الإنساني والفكري والاقتصادي الغني، الذي مازال يحتفظ بأهميته وصلاحيته في وقتنا الحاضر والقادم، ينير الدرب للرفاق والأصدقاء في دراسة القضايا الاقتصادية وتحليلها ومعالجتها من وجهة نظر ماركسية – لينينية، بعيداً عن السياسات الليبرالية والاقتصاد الريعي، التي أدت إلى تدني مستوى معيشة جماهير واسعة من شعبنا.

أيها الفقيد العزيز لقد صدق إيمانك بقدرة الشعب السوري على الصبر والتحمل، وبوطنيته في مقارعة المؤامرات الخارجية، وبرغبته العارمة في بناء سورية جديدة، ديمقراطية وتقدمية.

العدد 1140 - 22/01/2025