آلهة المساء الأخير
بين يديكِ الآن، أمارس طقوس الاستسلام الأخيرة، هكذا نحن بعد جفاف الدمعات والكلمات، هكذا، ببساطة ابتسامة ورديةٍ نستكين. أحبه ثوب طفولتي، تذكرين! القماش المقدس الذي رقعتِ تمزقَاً به في المعبدِ القديم؟ أطفالُ الفقر يعرفون كيف تُراقص الألوان قاماتهم الصغيرة بسذاجة مفرطة.
في عصرالضباب، واستطالةِ الأكمام، ضجيجُ المال، وهجرة الألوان، وحده الأسود يزهو، بينما يصرخ الأبيضُ، مقتلعاً من نسيجه جلودنا الشاحبة.كم أحتاجها بتلاتِ الوردي الآن، بكامل سذاجتها.
الآلهة في المعبد ذاته، اجتمعت تحتفل، اعتقدت أنّي والبحار وحقائبي المكتظة بالبخور والشموع، قد نحظى برقية يديه، (بوجا) إله الشمس، لايزال مشغولاً مع ذكرياته.
المحراب قرمزيٌّ، بمَ أحدثكم عن القرمزي في بلادنا؟ لمّا تصير الأرض كلها محراباً للآلهة. يكتظ المتعبدون، يصغون لتعاليمها، والموسيقا المقدسة تعزف ترنيمات الرقرقة، الطيورالعائدة، واحتراق الصندل، الضجيجُ كثيفاً كان حتى السكون. (كريشنا) المتربعة على العرش، بذهب أيديها الأربعة تصفف ما تمرّد من خصلات حول مرمر التاج.
– (شربتْ من يدي) امرأة قربي صرخت، و(ستستجيب لدعائي).
أخبرتها أن المزرعة القريبة، أُغلقت، ولم تعد جارتنا الطيبة تمر بجرار الحليب في صباحات الحرب، (هل علي التوقف عن الدعاء بعد هذا)، بصوتٍ خافتٍ سألتها، المرأة الثكلى، لم تجبني.
في الزاوية البعيدة جلستُ، بدأت شعائر الدوران حول العرش المقدس، الأقمشة ملونة، لفّت الأعناق بطرفها، وبقيثارة (كريشنا) معلق الطرفُ الثاني، تشابكت النقوش وتناثرتْ الأبخرة في الزوايا الرمادية، وحدها الأجساد المسجونة بأمنياتها، سقطت أرضاً.
الخلاخيل المذهبة أطلقت أجراسها، لا تعبأ امرأة المشرق بسلاسلِ أقدامها، تتراقص الخطوات ويرتفع هتاف الأرض، التراب المتصاعد نحو الوجوه، حظي أخيراً بأجنحة حلمه.
ذات خريف، أخبرني رجلٌ أن الشتاء يختبئ في أيقونةِ القلادة، (أقفليها جيداً الربيع قادمنا).
(نائمٌ في الحجر الكريم البردُ) كنتُ أثقُ بطوقٍ أهداني، قبل الحرب.
(أيتها المقدسة) لا ثقلَ لفضةٍ حول عنقي، لم أعد أجده ، لا تسمعني..!
يا مقتلَ قلبي، قادمنا! (أين أنا من الوعد!)
لا تزال الألوان تتمازج وتتصارع، والأرواح تتهاوى في دوائر الحقيقة.
بين الحشود تعبر كلماته : (تعلمين، ليست هناكَ حقيقة وحيدة في العالم) كعادة صوتهِ في مسمعي، وكعادتي في صحبتي مع اليقين أصغيتُ له : (لم أعهد أنّ المرايا تصدقُ يوماً، تجيد الحقائق الاختباء خلف الأقنعة) الكاهن المنفي، ذاتَ حقيقةٍ، أخبرني.
(الوحيدة!) (الوحيدة)! يرددُ أطفالٌ بهالاتِ مقدسة أمامي، ويغيبونَ بضحكاتهم خلف المنصة.
الخريف بشحوبه في الأرجاء، شامتاً يرقبني، يرتل آياتِ شتاء هارب. يخلط الألوان من جديد ويوحدها بأسودها. وهي تلتفتُ نحو صغارها وورديّ ضجيجهم ، تغني والغيم يتراقصُ حولها، الفيلة الصغيرة، الثعابين والجثث الثملى، بإحدى أيديها (الآلهة) تلوحُ بعصاً ماسيّة، وبأصابع يدها الطويلة تقبضُ على قلادةٍ فضية.