استحضار أعلام من الذاكرة الفكريّة والأدبية والفنية الفلسطينية في كتابين

صدر للكاتب والمفكر اللبناني كريم مروّة – منذ أيام – كتاب جديد، في حقل الأدب والفن، بعنوان: (فلسطين وقضية الحريّة… في سيَر وإبداعات المثقفين الفلسطينيين) (الدار العربية للعلوم ناشرون)/ بيروت، وبالتعاون  مع (مكتبة  كل  شيء/ حيفا المحتلة). وفيه اختار مروّة استحضار سيرة نضال ثلاثة عشر مثقفاً فلسطينياً، من قادة العمل الوطني والسياسي والرأي، من أدباء فلسطين وشعرائها ومفكريها، الذين ينتمون إلى أجيال مختلفة، وكان لكل منهم إبداعات متميزة وحافلة بالعطاءات، فساهموا بسيرهم وبإبداعاتهم في تكوين ثقافة عربية راقية تشكل جزءاً ثميناً ومميزاً من الثقافة العربية الحديثة. وهؤلاء الأعلام هم: (بندلي صليبا جوزي، إميل توما، إميل حبيبي، توفيق زياد، كمال ناصر، غسّان كنفاني، معين بسيسو، عبد الكريم الكرمي، فدوى طوقان، ناجي العلي، إحسان عبّاس، إدوار سعيد، محمود درويش).

وعن علاقته بفلسطين وبالقضية الفلسطينية، وبرجالاتها من مفكرين وكتّاب وشعراء، يقول مروّة في تقديمه للكِتاب: (أحب أن يعرف القارئ مدى عمق علاقتي بفلسطين، وهي علاقة تكوّنت عندي منذ أيّام طفولتي وشبابي الباكر. فأنا جنوبيّ الولادة والنشأة والهوى (…)، فتحت عينيّ وأنا طفل على فلسطين، على الكثير ممّا نأكله ونلبسه ونتعامل معه وبه في حياتنا اليومية. وكانت خرجيتي اليومية والأسبوعية تُقدّم لي بالعملة الفلسطينية وبالعملة اللبنانية في آن معاً. عرفت فلسطين في أوّل الأمر من خلال أسماء مدنها حيفا ويافا وعكا وصفد، التي كان أبناء بلدتنا يذهبون إليها لشراء حاجياتهم، أو للعمل في مؤسساتها الاقتصادية على اختلافها (…) لكن ما إن بلغتُ العام الرابع عشر من عمري حتى صار لفلسطين معنى آخر أكثر وضوحاً وأكثر عمقاً في مشاعري وفي وجداني وفي عقلي. كان ذلك عشيّة انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين عبر لبنان واحدة من القضايا التي بدأت تشغلني في ذاك التاريخ. ثم تحولت تلك الهجرة في أعقاب انتهاء الحرب إلى قضية خطيرة في وجدان جيلي من الشباب ورفاقي في المدرسة وخارجها، فشكلنا في ما بيننا مجموعة لمراقبة المهاجرين اليهود عبر مدينة صور، وقرّرنا أن نكون عيوناً ساهرة في هذا الاتجاه. وفي ذلك التاريخ بالذات، أعلنت انتمائي إلى القومية العربية مع بعض رفاق دراستي). ويرى مروّة أن هذا الكتاب يُشكّل خطوة في سبيل الدفاع عن فلسطين عبر تلك الشخصيات التي ساهمت في صناعة هويّة فلسطين الثقافية المعاصرة. معتبراً أن انتقاء هذه الشخصيات جاء من خلفية دورهم كروّاد في الثقافة الفلسطينية والعربية وفي الانتماء الوطني إلى فلسطين وإلى عروبتها. متطرقاً في المقدمة إلى علاقته بالشخصيات التي تناولها البحث، قائلاً: (كُتب الكثير عن أدباء فلسطين وشعرائها ومفكريها الكبار الذين رحلوا الواحد منهم بعد الآخر خلال العقود السابقة، ابتداء من الثلاثة الأول من القرن العشرين. وسيظل يكتب عنهم الكثير. فهم، في الثقافة وفي إبداعاتهم فيها وهم في سيرهم وفي مواقفهم السياسية بمستوياتها المختلفة، كانوا على امتداد حياتهم وما زالوا بعد رحيلهم، ضمير الشعب الفلسطيني، ضميره الحي، وعنوان اعتزازه بتاريخه بهويته الوطنية). وأضاف: (كنت منذ زمن بعيد قارئاً مدمناً لإبداعات هؤلاء الكبار في الأزمنة التي كانت تبرز فيها إبداعاتهم في ميادينهم المختلفة. ونشأت لي مع عدد منهم ابتداء من مطالع خمسينيات القرن الماضي صداقات عميقة وحميمة هي موضع فخر واعتزاز بالنسبة إليّ، ومصدر غني لثقافتي. وإذ أكتب اليوم عن بعضهم فإنما أمارس قراءة شخصية أستند فيها إلى تجربة طويلة وغنية لي في الحياة وفي العمل الثقافي والسياسي). ويشير المفكر اللبناني إلى أن هذا الكتاب هو (الأول يليه كتاب ثان أستكمل فيه قراءتي لسير وإبداعات كوكبة أخرى من كباره. واختياري أسماء هؤلاء المثقفين في الكتاب الحالي وفي الكتاب اللاحق يعود إلى أنني تابعت في القراءة والمعرفة الشخصية سيرهم واعتبرتهم رواداً كباراً في الثقافة وفي الانتماء الوطني إلى فلسطين وإلى عروبتها. لا بد من التذكير بهم وبتراثهم وإبقائهم أحياء حاضرين بقوة في حياتنا اليومية، نستقوي بهم ضد عناصر البؤس في حاضرنا الملتبس. فقد كانوا في سيرهم وفي إبداعاتهم عميقي الارتباط بالجذور التاريخية في انتمائهم إلى وطنهم فلسطين، راسخي التمسك بهويتهم الوطنية الفلسطينية، برغم المنافي التي فرضت على بعضهم، وظلوا إلى آخر لحظة من حياتهم شديدي الحرص، في كتاباتهم وفي كتبهم وفي مجمل أفكارهم وفي مواقفهم السياسية، كل منهم على طريقته ومن الموقع الذي اختاره لنفسه، على الدفاع عن فلسطينهم وعن تاريخها القديم والحديث وعن المستقبل الذي يحلمون به، المستقبل الذي ستصنعه في الغد الواعد أجيال جديدة فلسطينية معاصرة وقادمة…).

 

الأوائل على درب فلسطين..

كما صدر في بيروت مؤخراً،  للكاتب والصحفي الفلسطيني هيثم زعيتر كتاب بعنوان (الأوائل على درب فلسطين)، ويحتوي هذا الكتاب سيراً عن شخصيات كان لها شأن كبير في مسيرة الشعب الفلسطيني نحو الحرية، وفي إطلاق الحركة الوطنية المعاصرة. فتحدث عن الزعيم الراحل ياسر عرفات (أول من أطلق الكفاح المسلح)، وعن خليل الوزير (أول الرصاص وأول الحجارة)، وعن وديع حداد (رائد العمليات الخاصة)، وعن فتحي الشقاقي (أول أمين عام يتم اغتياله)، وعن أبو علي مصطفى (أول أمين عام تغتاله إسرائيل في داخل فلسطين)، وعن أحمد سعدات (أول أمين عام في الأسر)، وعن محمود حجازي (أول أسير في حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية)، وعن أحمد موسى الدلكي (أول شهيد في حركة فتح)، وعن خليل عز الدين الجمل (أول شهيد لبناني في حركة فتح).

علاوة على عشرات الأعلام أمثال: (رفعت صدقي النمر، حسيب صباغ، سعيد خوري، سليم زعيتر، مروان البرغوثي، خالد أبو إصبع). والمناضلات: (فاطمة برناوي وليلى خالد ودلال المغربي)، والكثير من الشخصيات الوطنية الفلسطينية.

هكذا، يعيد كتاب (زعيتر) إلى ذاكرتنا بطولات المتمسكين بأرضهم حرية وسيادة وتاريخاً واستقلالاً. ومن جعل من دمه وروحه مشاعل مضيئة لمن يسيرون على نهجهم.

كذلك يختزن الكتاب ذاكرة ومسيرة شعب يواصل بذل دم شهدائه وصولاً إلى هدفه.

ولتكون البداية كما الختام حرص (زعيتر) على الدقة وحسن السياق والبحث في سبيل تقديم مضمون يستحق ما هدف إليه من جهد وشمولية.

وقد قدّم للكتاب الرئيس محمود عباس، وتصدرته كلمة للسفير عطا الخيري، وصورة للرئيس اللبناني ميشال سليمان. وللوهلة الأولى تثير صورة الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان الاستغراب؛ فما علاقة (سليمان) بفلسطين؟ وتزول الدهشة فوراً حين نقرأ أن الرئيس اللبناني هو (أول من رفع التمثيل الديبلوماسي الفلسطيني في لبنان إلى مرتبة سفارة).

جاء الكتاب في (528 صفحة من القطع الكبير)، وهو مفعم بالصور والمعلومات، الأمر الذي جعله مرجعاً، إلى جانب مئات المراجع، عن قضية فلسطين وتاريخها المعاصر. وكان (زعيتر) أصدر في العام الماضي كتاباً عنوانه (لحظات من عمري في فلسطين) روى فيه وقائع زيارته إلى بلاده المحتلة، وتجواله في ربوع فلسطين التي كثيراً ما سمع عنها ولم يلمسها لمس اليد.

العدد 1140 - 22/01/2025