خمسة أسئلة لحاكم المركزي تكشف فشل تدخلاته
يواصل سعر الصرف ارتفاعه، وقيمة الليرة انخفاضها، وقدرتها الشرائية تدهورها، فيما كل المعنيين بالقطاع النقدي، يجددون أسبوعياً تأكيداتهم الصارمة، ويقدمون وعودهم غير الصحيحة، بأن سعر الصرف سيتحسن، وأن أسعار الأسواق وهمية، ولا تعبر عن قيمة الليرة الحقيقية. هذه الأسطوانة المشروخة مللنا من سماعها، ودفعتنا إلى عدم تصديق كل ما يقوله مصرف سورية المركزي، ورفض كل بياناته، وتصريحات مسؤوليه وعلى رأسهم الحاكم، الذي يصرح أسبوعياً ما بين ثلاث إلى أربع مرات، في ظهور إعلامي باهت، وعبارات خالية من المضمون الذي ينتظره المواطن، ووعود أشبه ما تكون بأمل الغرقى في الإنقاذ.
لا يتجرأ حاكم المركزي، الذي أحالته جامعة دمشق إلى التقاعد لبلوغه سن الستين، على مكاشفة الناس ومصارحتهم حول: أولاً نتائج تدخله في سوق بيروت، وهو الإجراء الذي هلّل له كثيرا، واعتبره القادر على حل المشكلة. ثانياً- جدوى بيعه شرائح القطع الأجنبي المختلفة، وبشروط متعددة، وبكميات متنوعة. ثالثاً- فعالية تدخله المباشر في تمويل المستوردات، هذه القضية التي أخذت من النقاش الحكومي ما لم تأخذه أية قضية أخرى، ودائماً ثمة عودة إلى المربع الأول، بتمويل المستوردات الضرورية، فيما الأسعار في الأسواق لمجمل المواد الداخلة في تمويل المستوردات وغير المشمولة بها، تقاس على سعر الصرف بالسوق السوداء. رابعاً أين تذهب كميات الدولار التي يبيعها المركزي، منذ بدء الأزمة حتى الآن، ومن هم المستفيدون الفعليون منها؟ خامساً ما هو سعر الصرف الحقيقي؟ هذه خمسة أسئلة، تختزل قضية سعر الصرف، وتبين بما لا يدع مجالاً للشك، كيف تدار هذه الأزمة النقدية الخانقة، ومن يتحكم بالقطع الأجنبي في البلاد التي لم تعد تحتمل أوضاعها العامة المزيد من التجريب، ولم تعد عملتها قادرة على الصمود ـ كما يزعم البعض ـ أمام هول الفساد الذي يكتنف كل عمليات التمويل.
لا ننكر كل الأسباب الموضوعية التي ساهمت برفع أسعار الصرف، وتجاوزها هذا الأسبوع عتبة 310 ليرات. فالحرب الطاحنة، واشتعال أكثر من جبهة، والشلل التام الذي أصاب اقتصادنا المتهالك، لاسيما بعد إغلاق معبر نصيب الحدودي، ما يعني أن كل منافذنا الحدودية البرية خارج السيطرة، باستثناء معبر جديدة يابوس. وما يعكسه ذلك من توقف للتجارة، استيراداً وتصديراً، وغيرها من العوامل الموضوعية، التي تؤثر سلبياً على سعر صرف الليرة، وتمهد بالتواطؤ مع الأسباب غير المباشرة المتعلقة بأمد الأزمة الطويل، وتداعياتها، ومخاطرها، كل هذا نتفق على أنه أدى إلى الوصول إلى هذا المستوى من سعر الصرف، الذي نتمنى ألا يتجاوز المستويات غير المسبوقة التي وصل إليها قبل عامين، وهي 335 ليرة مقابل الدولار. فالمطلوب الآن، هو كبح جماح الدولار، ووقف تدهور قيمة الليرة، وهذه مسألة ليست معقدة كما يظن البعض، أو كما يحاول عدد من المسؤولين النقديين إيصالها للناس. فهناك أدوات متبعة في كل دول العالم، وتناسب كل ظرف اقتصادي، وتتلاءم مع معطيات كل حالة، وما يجري في سورية ليس استثناء، بل إنه حدث في أكثر من دولة، عانت ويلات الحرب، وتوقف اقتصادها عن العمل، وحافظت على عملتها، وعلى سعر صرف معقول. لا نطلب من حاكم المركزي، واللجنة الاقتصادية المصغرة، وغيرها من الجهات المعنية، إرجاع سعر الصرف إلى ما كان عليه، هذا مستحيل الآن، لكن من الممكن تثبيت السعر، وايقاف التدهور الحاصل.
تكمن المشكلة الرئيسية في غياب الشفافية، إذ لا يتعامل المركزي بما يكفي في هذا المجال، ويهرب حاكمه إلى الأمام، ويقف في الأماكن غير المرغوبة، بل إنه يتعامل مع هذه القضية النقدية الحساسة، والدقيقة، بكل ما أوتي من قوة الابتعاد عن الحقيقة، ويجانب الصواب في الأدوات التي يعلن عن استخدامها لضبط أسعار الصرف، ويمارس عدم الصدق في طمأناته المتكررة للناس، بوهمية سعر الصرف الموجود، فيما يُجبر نفسه على اللحاق بسعر السوق السوداء التي يهاجمها في الإعلام، ويعود إليها في تحديد السعر.
لايستطيع حاكم المركزي، أن يخبرنا عن حجم الخسائر التي تعرض لها كل مواطن سوري، بسبب تدهور أسعار الصرف، ولا عن خسائر أولئك الذين دعموا ليرتهم بصفتها أحد رموز السيادة، وحافظوا على مدخراتهم وإيداعاتهم بها، فيما الحيتان الكبار استغلوا تدخل المركزي، الراعي الرسمي لاكتناز ثرواتهم، والحامي الأول لزيادة ثرواتهم الريعية. فما خسره السوريون بسبب أسعار الصرف، لايقل عما خسروه نتيجة التدمير والقتل، وإذا كانت الوزارات استعذبت عملية إحصاء خسائرها وتقديرها، فإن كل أسرة سورية تبكي على حجم خسائرها التي تسببها سياسات المركزي، وتدخلاته في سوق الصرف، التي عادت عليهم بخسائر جمة. للأسف الشديد، إن الذين خالفوا تعليمات المركزي ونصائحه، جمعوا ثروات، وقللوا من حجم خسائرهم، وهؤلاء هم مستثمرون جدد في اقتصادنا خلال المرحلة القادمة، أما الذين التزموا ما طلبه منهم المركزي، فإنهم الآن في التصنيف الاقتصادي انضموا إلى شريحة الفقراء، وهذا أبلغ أثر، وأهم نتيجة لكل تدخلات المركزي في سوق الصرف.