حكومتنا تشتري الوقت
لم تحسم الحكومة موقفها الاقتصادي، ومازالت غارقة عقب أكثر من 8 أشهر على إعادة تشكيلها، في مستنقع الدراسات والخطط والرؤى، ولم نلمس محاولة جادة لتكثيف وبلورة ما يمكن أن تقدمه تجاه اقتصاد شبه متوقف عن العمل. وكل ما قامت به، يدل أنها تشتري الوقت، وتحاول محاكاة مستقبل مزهر، دون وضع سبل الوصول إليه، واقتراح مراحل الاقتراب منه. فاكتفت بالتصريحات، التي غالباً ما أدت دوراً عكسياً للمطلوب منها، وزادت من طين مأساتنا الاقتصادية والمعيشية بلة.
نعتقد أن الحكومة بحاجة إلى رفع معنوياتها، وتشجيعها على المضي بخطوات وإجراءات تبين مدى حضورها الفعلي، وأن تبتعد عن حالة قطع الوعود. والمشهد كما نراه اليوم، لايعبر عن حجم تطلعات شعبنا من حكومته، التي تصر على خلق فجوة عميقة، بين ما يجري وما يمكن أن يحدث. والأمثلة كثيرة، ومنها موقف الحكومة من عملية التعافي المبكر، ورغبتها العارمة كما يبدو، في حث الناس على الاقتناع بأن الأزمة في خواتيمها، وأن عجلة إنتاجنا مستمرة. بالمقابل ثمة فريق حكومي آخر، مازال يبحث عن تقدير أضراره، وبدلاً من اتخاذ إجراءات للحد من هذه الخسائر، ينتظر الفرج. هذا الفريق غارق اليوم بمشكلات معقدة، لكنه لايمتلك إرادة المواجهة، ولايرغب في خلق نقطة تحول، أو إحداث تغيير إيجابي. إنه فريق يسعى بملء إرادته للاستمرار، دون أن يقدم شيئاً.
ما يثير الدهشة ممارسات معظم الوزارات ومواقفها، التي تؤكد لنا غياباً شبه تام عن الواقع، وانفصاماً واضحاً عنه: وزارة الشؤون الاجتماعية، التي فاجأتنا وزيرتها كندة الشماط بتصريحات قبل فترة تشير بإصبع الاتهام إلى ملف الإغاثة وطرائق توزيع المعونات الإنسانية والإغاثية، في اللحظة التي سُحب منها هذا الملف، وبات بعهدة وزير الإدارة المحلية. بينما صندوق المعونة الاجتماعية المتوقف عن العمل، لم تجد وزيرة الشؤون ما يمكن أن تقوله لتنشيطه، وإعادته إلى العمل. في وزارة العمل لايختلف الأمر كثيراً: محاولات لربط التوظيف في القطاع العام بالوزارة كجهة مشرفة على هذه العملية المهمة، لكن التوظيف المتوقف بتعميم من مجلس الوزراء يجعل من هذا الجهد هباء منثوراً. نحن نتحدث عن تضخم هائل في الجهاز الوظيفي في القطاع العام، وعبء كبير على مؤسسات الدولة، إلا أن الحكومة مصرة على استخدام الطرق القديمة، تعيين المهندسين أنموذجاً، وبيع أحلام ما تبقى من خريجين من اختصاصات أخرى، هو سيد الموقف. ما الفرق الجوهري الذي يحدثه هذا الإجراء، مقارنة بالإجراء ذاته الذي كانت تتخذه الحكومات المتعاقبة قبل الأزمة؟ لا نقلل من أهمية الخطوة، بل نتساءل عن جدواها، وما يتعلق بنقصانها وعدم كفايتها؟ الطامة الكبرى في ما يعلنه وزير التنمية الإدارية، بأنه هو شيخ كار الإدارة، لانعتقد أن هذا محطّ فخر، هو أقرب إلى التراجع، نحن نبحث عن المؤسساتية، وليس حالة فردانية يقودها شيخ كار، بكل ما يعني هذا المصطلح من عودة إلى الزمن الأغبر. اختزال الإدارة وإصلاحها بشيخ كار، فيه الكثير من العتب والقلق والخوف، إذ لا تنسجم طروح مثل الموارد البشرية، والثروة البشرية، ومكافحة الفساد، وتبسيط الإجراءات، وغيرها من عناوين الإدارة المعاصرة، لا تنسجم مع ذهنية شيخ الكار، وعقليته المغلقة، وفردانيته المقيتة، وربط المسألة بشخص، في زمن لا وجود فيه للسوبرمانية التي أدت إلى التدهور الإداري الفاضح. بالمسطرة ذاتها يمكن القياس على عمل وزارة الكهرباء، التي تعلن استعدادها لتأمين الطاقة الكهربائية، عندما توفر لها وزارة النفط الوقود اللازم. إذا توفر الوقود لا حاجة لنا لتبادل المسؤولية بين الوزارتين، تصبح العملية تحصيل حاصل، لكننا نتساءل: ماذا فعلت الوزارتان المذكورتان لمعالجة هذه القضية؟
لانريد بخس الحكومة حقها، فما قلناه حول أداء الوزارات المذكورة، ينطبق على غيرها من الوزارات والمؤسسات العامة الأخرى، وأدى إلى هذا الواقع المؤلم الذي نعانيه، والتدهور المتتابع الذي تكاد لا تتوقف سرعته، والفشل في معالجة الجرح النازف في اقتصادنا، لنتساءل: أين حكومتنا من كل هذا التخبط؟