الأفكار العظيمة تحرق أصحابها

ليس الحمل حكراً على حواء، بل هناك حمل قد يكون أعظم وأبقى من أي حمل حملته امرأة، ألا وهو حمل الأفكار العظيمة، والمبادئ السامية.

إن مجرد أن يفكر الإنسان، يعني أن عقله بدأ بالتقاط الإشارة أو بمشاهدة الأضواء، أو فتح أبواب جديدة في حياته القصيرة، المعدودة الأعوام.

التفكير روح الإبداع…

فنحن لا يمكنننا أن نخلق ونبدع ونخترع دون أن يمر شهب الأفكار العظيمة في رؤوسنا، فالفكرة شمعة تضاء بالعمل، وتكبر وتتسع بالتجارب والقراءة المستمرة، والاطلاع الدائم.

والأفكار ترسم لنا الطريق، والخط الذي ينبغي علينا أن نسير عليه، أو بمحاذاته، أو بالانحراف عنه، والهرب منه. وكل حلم كبير، كان فكرة..

وكل إنجاز مجيد كان مجموعة من الأفكار المعمول بها.

ثم.. ما قيمة فكرة جميلة تبقى مقفوصة بين قضبان العقل، وجمجمة الرأس، وشرايين القلب، ومحاصرة ومحصورة في زنزانة الروح؟!

إن الشيء الأعظم من الفكرة العظيمة، هو حملها والسير بها بين الناس، والأفكار الكبيرة لا ينبغي للصغار أن يحملوها، مثلما لا ينبغي للأطفال اللعب بالقنابل والمتفجرات الخطيرة، كما أنه لا يجوز للأصابع الدنيئة العبث بمحتويات الأفكار الثقيلة، وإلا انفجرت في عيونهم، وشوهت وجوههم، وقطعت أصابعهم.

أن أفكر يعني أنني بدأت بتشغيل محرك الرأس، فالذي يدير الرأس ليس الرقبة، بل الفكرة، وإن كنا نرى بيننا أناس تدار رؤوسهم برقاب غيرهم، وتتبنى أفكاراً ليست لهم، ويدافعون عن مبادئ وأهداف لا تعنيهم.

وقد تتلاقح الأفكار، فتولد أفكاراً جديدة، مثلما تتلاقح الغيوم فتولد البرق والمطر، وتتلاقح الأزهار فتولد الثمر، وتتلاقح وتتلاقى السواعد فتولد القوة.

وفكرة صغيرة قد يستفيد منها الرجل الحاذق، والمفكر النابه، كما يستفيد الحقل من شرارة صغيرة ليتخلص من الشوك والعشب اليابس، وبالمقابل قد تمر الأفكار على الجهلاء مرور الظلال على الأشياء، فالصخور ستبقى عطشى وإن كانت تسكن بجوار الأنهار والبحيرات.  وللحمل أنواع وأشكال..

فليس كل من حمل أنجب ابناً صالحاً، أو نسراً نبيلاً، أو جواداً أصيلاً، وليس كل من فكر كانت أفكاره صالحة للزرع في أرض الواقع، فبعض الأفكار منخورة أو لا تصلح إلا لتكون حصاة في جدار، وبعضها لا يرضى إلا أن يكون صخرة صلبة في أساس البناء.

الفكرة روح، والكلمة جسدها، أي أنه لا يمكن للفكرة مهما عظمت إلا أن تتجسد في الكلمة، ولا تبقى إلا بكتابتها، ولا تقوى إلا بالعمل بها.

إن في الأفكار قوة ما بعدها قوة، خصوصاً إذا كانت كبيرة، وعمل حاملوها على تطبيقها، فهي تغير، وتبدل، وتحرف مسارات الطرق والأشياء، ترفع وتسقط، تحيي وتميت.. ولكنها في كثير من الأحيان قد تحرق أصحابها، وتودي بحياتهم!

العدد 1140 - 22/01/2025