الغني يخرج فقيراً.. والفقير لا يدخلها المشافي الخاصة.. سبقت الفنادق الفارهة في تعرفتها.. ولا ضابط لها

أصبح الدخول إلى المشافي أمراً في غاية الخطورة حالياً، وهذه الخطورة نابعة من أن تعرفتها أصبحت (تجلط) المريض وأسرته، وخاصة المشافي الخاصة التي تفردت بوضع تسعيرات خيالية، فالمشافي بدلاً من أن تكون مكاناً للاستشفاء، أصبحت مكاناً لكسر الخواطر، بل وجعل الأسر تقبع تحت الديون التي ستحتاج سنوات لقضائها.

وهنا نسأل: هل أصبح دخول المشافي الخاصة كدخول المنتجعات السياحية الفارهة من سوية خمسة نجوم؟.. صحيح أن كل شيء ارتفع سعره، ولكن أسعار الاستشفاء تضاعفت لدرجات غير منطقية، بل وغير معقولة، لدرجة الانصعاق، فتكلفة أقل عملية جراحية تبدأ من 25 ألف ليرة والفاتورة مفتوحة على أمور غير متوقعة لدى المريض، هذا إن خرج سالماً من المشفى الخاص، الذي يسطر ويكتب الفاتورة بعيداً عن الأنظمة والقوانين.

الداخل مفقود والخارج مولود مادياً

المريض في حال أخذ إلى المشفى الخاص (مرغماً عنه)، فإنه يتوجب على أهله أن يضعوا له (حبة تحت اللسان) لدى إبلاغهم إياه عن التكلفة التي وضعوها، أو التي سيضعونها، كي لا يصاب بسكتة قلبية، ويصبح في عداد الأموات أو المعوقين، فقضاء ليلة مثلاً في أحد المشافي الخاصة درجات، تبدأ تكلفته بـ3 آلاف ليرة، وتنتهي بنحو 7 آلاف ليرة، بالطبع هذه التعرفة في مشفى خاص من الدرجة المتوسطة وليس من سوية 5 نجوم، ولكن رغم كل هذه الأسعار الفلكية إلا أن الخدمات المقدمة في تلك المشافي لا توازي حجم المبالغ المدفوعة من المريض، حتى أن الأخطاء الطبية أصبحت شائعة للأسف، فلا نسمع إلا بأخطاء شنيعة تحدث للمرضى رغم أنهم ذهبوا إلى مشافي خاصة.

للأسف يمكن أن يطبق المثل (الداخل مفقود والخارج مولود) على المشافي الخاصة حالياً، فإذا كنت غنياً فستخرج من المشفى إن خرجت فقيراً، وإن كنت فقيراً فلن تدخل أبداً إلى المشفى، وإن دخلت فلن تخرج إلا بعد أن تدفع الفاتورة المعملقة، وفي حال استطعت أن تسدد الفاتورة فإنك ستصبح (تحت الصفر)، وربما ستمضي حياتك كلها من أجل وفاء الديون، وربما قد تلجأ إلى الجمعيات الخيرية.

الأسعار تختلف من مشفى إلى آخر

المشافي الخاصة رفعت أسعار جميع العمليات الجراحية بقرار من وزارة الصحة صدر خلال عام ،2013 ولكن الغريب أن العملية الجراحية تختلف تسعيرتها من مشفى خاص إلى مشفى آخر.. فمثلاً عملية الولادة القيصرية تكلف في مشفى خاص بريف دمشق نحو 30 ألف ليرة، في حين أن تكلفتها في مشفى خاص آخر في ريف دمشق لا تتجاوز 20 ألف ليرة، وبالطبع هنا تلد المرأة، وهناك تلد المرأة وهنا تخدر المرأة وهناك تخدر، ولا نعلم كيف يتم تحديد الأسعار ولا على أي أساس.

وقبل الدخول وقبل أي عمل جراحي على ذوي المريض أن يدفعوا السلفة للمشفى، وإلا فإن المشفى الخاص سيعتذر عن استقبال المريض، وهذا يعتبر إجراء قانونياً لضمان حق المشفى، فليس من المنطقي أن يعالج المشفى مريضاً ما ثم لا يدفع الأجرة، وتأخذ المشافي الخاصة هذه السلفة ضماناً لأجر العملية أو المعالجة، حتى أنها تأخذ الهوية الشخصية من المريض، إلا أن العديد من المشافي الخاصة لا تتبع هذا الإجراء في حال أصيب عدد من المواطنين بتفجير إرهابي أو ماشابه من الأحداث التي تمر على سورية بل يقومون بمعالجة المريض ودون أي سلفة.

ولا يخفى على أحد أن العديد من المشافي في ريف دمشق خرجت عن الخدمة نتيجة الأزمة الراهنة، ووقوعها في مناطق ساخنة، مما أدى إلى زيادة الضغط على مشافي دمشق العامة أو الخاصة، وكما يقال (موسم) المشافي الخاصة أقلع منذ بدء الأزمة والأسعار أصبحت مزاجية.

هل تراقب وزارة الصحة المشافي الخاصة؟

بالطبع المحافظة ليس لها علاقة بإجراء جولات تفتيشية على المشافي الخاصة، بل هي مسؤولة عن المشافي العامة فقط، والمتتبع يجد أن هناك ضغطاً كبيراً على المشافي العامة في دمشق، من قبل المرضى، وفي حال نظرنا إلى دور وزارة الصحة، فإنها لا تجري أي جولات عليها وتكتفي بمعالجة الشكاوى التي قد ترد إليها، وتلزم المشافي الخاصة إما بتعويض المريض أو إرجاع جزء من المبلغ المدفوع له، ولكن في جميع الأحوال فإن وزارة الصحة هي المعنية بمراقبة المشافي ووضع تسعيرة لها من حيث الإقامة والعمليات الجراحية وحسب عدد الأسرة، مما يؤكد عدم وجود رقابة من قبل وزارة الصحة على المشافي الخاصة، إذ لا تجري إجراء جولات على المشافي إلا في حال وجود شكاوى.

وللإنصاف، المشافي الخاصة تواجه أيضاً ضغوطاً مادية، فقد ارتفعت أسعار معظم الأدوات ومستلزمات عملها، سواء من حيث السيرومات والأوكسجين أو الشاش، حتى الأبر والمعقمات والأدوية وغيرها من الأمور، إلا أن ذلك ليس مبرراً أن تبلغ الأسعار حدوداً غير معقولة لدرجة أن عملية ولادة قيصرية بلغت كلفتها نحو 85 ألف ليرة في أحد المشافي الخاصة.

تعليق: المشافي للاستشفاء وليس مكاناً لزيادة عدد الفقراء

ما نود الإشارة إليه هو أن كلمة مشفى لغوياً مكان للاستشفاء والاستبراء من المرض، وبمعنى آخر هو مكان للعلاج من الأمراض، ولكن في ظل الأسعار الحالية، فقد أصبحت مكاناً لتحطيم الخواطر وجعل المريض وذويه وأسرته يعانون الأمرّين من أجل دفع فاتورتها، أي بمعنى آخر أصبحت المشافي الخاصة للأسف مكاناً لزيادة أعداد الفقراء والمحتاجين في مجتمعنا، وخاصة أن مهنة الطب هي مهنة إنسانية قبل أن تكون تجارية، فهل ستتحرك الجهات المعنية لضبط تألق أسعار المشافي الخاصة وضبط جودة خدماتها؟ أم أنها ستكتفي بمعالجة الشكاوى، وخاصة أن الكثير من المواطنين لا يعلمون شيئاً عن الشكاوى، وهذا ليس ذنبهم بل ذنب وزارة الصحة التي لم تقم بتوعية المواطنين لمنع استغلالهم؟!

العدد 1140 - 22/01/2025