خريطة طريق ملحة.. دعم الصناعة
بات واضحاً، أن وزارة الاقتصاد تتجه نحو منع استيراد السلع التي لها مثيل محلي، كإجراء حمائي للصناعة الوطنية، ولتخفيف العبء الكبير والضغط الهائل على أسعار الصرف. وللوهلة الأولى يُنظر إلى هذا التوجه بعين إيجابية، لما له من مدلولات واضحة للعيان، والاستناد إلى موقف مطلبي بتعزيز دور القطاعات المنتجة ودعمها، لاسيما الصناعة والزراعة، وتأمين مستلزماتها. إلا أن النصف الآخر من الكأس، يكشف مدى عجزنا عن وضع سياسات اقتصادية جريئة وواضحة، تكون محابية للمنتجين، واتباع نهج اقتصادي شامل يتناسب مع الظروف الحالية بقسوتها ومرارتها، ويتمكن في الوقت ذاته، من تحديد السكة التي يجب السير عليها اقتصادياً وتنموياً. قد لايكون ضرورياً الآن، السعي وراء نهج اقتصادي، لأن حالة الحرب الطاحنة التي تعيشها البلاد، فرضت ذلكم النهج فرضاً، ولم تعد أمامنا الكثير من الخيارات المتاحة، فاقتصاد الحرب، عنوان رئيسي لهذه المرحلة، ولايوجد ما يستدعي لتضييع الوقت في نقاش أيّ نهج نريد.
إن موقف دعم الصناعة الوطنية، وتأمين مستلزماتها المختلفة، تعرّض للكثير من التهاون، ولم تأت حكومة قبل الأزمة أو أثنائها، وتجاوزت في بياناتها الخط الأحمر بالتخلي عن دعم الصناعة، باعتبارها قاطرة النمو، لكن على أرض الواقع لم تلتفت حكومة ولم تتعامل جدياً مع هذا الخط، بل ثمة سمة واضحة هي تجاوز الخط الأحمر، ووضع الخطط التي تعاكس التوجه المطلوب. وفي عود للوراء قليلاً، فإن كل مسؤول اعتبر القطاع الذي يديره هو قاطرة النمو، وبعضهم خلط بين النمو والتنمية، بينما ذهبت أدراج الرياح تأكيداتُ البيانات الحكومية بأن الصناعة هي القاطرة. السؤال الآن: هل الحكومة جادة بتوجهها دعم الصناعة؟ يبدو أن لا خيار آخر أمام هذه الحكومة، سوى دعم الصناعة، وللمرة الأولى تقتنع الحكومة أن هذا الموقف يخفف العبء عنها، فالفرص الضائعة بسبب توجهات الحكومة، وسعيها السابق غير المعلن لتأمين السلع عبر الاستيراد، خلق فجوة هائلة في سوق العمل، وزاد من معدلات البطالة والفقر، وبدد الكثير من القطع الأجنبي، الذي نحن بأمس الحاجة إليه. نقطة الضعف الكامنة في توجه دعم الصناعة حالياً، هو إصرار الصناعيين على إغلاق الأبواب أمام السلع المماثلة المنتجة محلياً، وهذا يعني الاستحواذ على السوق المحلية، وفرض سلعة واحدة دون أن يكون هناك خيارات تعزز التنافسية، وقد يكون الحصر والتقييد مناسبين كفترة مؤقتة، لضمان إقلاع المنشآت، إلا أن الإصرار الآنف الذكر، يعني في أحد أوجهه، أن الصناعيين ليس بمقدورهم المنافسة، ويحاولون الاستحواذ واحتكار السوق، بحجة الحرب والحصار الاقتصادي، وهذا تكرار لتجربة ثمانينيات القرن الماضي. كما أن دعم الصناعة مفهوم واسع، فأي صناعة نريد أن ندعم؟ ما الأوليات الأساسية الآن؟ كيف يمكن أن تدعم الحكومة الصناعة الغذائية والدوائية بصفتهما على رأس قائمة الاهتمامات؟
مختزل القول، إن كانت الحكومة جادة حقيقةً، بدعم الصناعيين، فمن المفترض أن تعلن ذلك التوجه، وتضع أسساً له، وتحدد منهج عمل، وأساليب واضحة، للقطاعات المستهدفة. هذا الموقف لم يعد يحتاج إلى النقاش، وليس بحاجة إلى مزيد من الوقت ليشبع بالدراسات، بل تبدو الحاجة ملحة لوضع السيناريوهات والخطط التفصيلية للدعم، وربما يكون هذا أفضل خارطة طريق للاقتصاد الوطني، في المرحلة الراهنة.