سورية أولاً وآخِراً… بالحب والتسامح نعمرها
هي الحرب كالرحى تدور في الحقول, حنطتها بشر, لا تُميّز بين طفل ولا شيخ ولا كهل من امرأة ورجل, سبع سنوات لم يبقَ في البلد حجر على حجر, أطفال لا تعرف مصيرها وشباب بعمر الورد ضاع مستقبلها بطلقة نار, عائلات لم يعد السقف خيمتها ليحجب عنها البرد والحر، مدنٌ أصبحت خالية من الحياة, فقط قبور ودمار, وهنا لابدّ أن تتجه الأنظار للأمان, وخاصة بعد أن فُتحت الأبواب أمام الشعب مجهول المصير, وقُدمت له سبل العيش الكريم في بلاد الغرب.
لابدّ أن يتمّ لمّ شمل الأسرة تحت سقف وطن آمن, حتى لو كان في الغرب, فلا لوم على من اختار الاستقرار بعد أن ضاع البيت والأمان, فمن حق من بقي على قيد الحياة أن نحميه من الضياع والقتل والخطف.
وهنا، لا مجال لتخوين أُسر ضاع مستقبل أبنائها, لمجرد أنها كانت تقطن هذه المدن واختارت الهجرة لتكون طلباً للأمان, فليس كل من قال أنا ضدّ القتل, ضدّ العنف، ضدّ الاستغلال, ضدّ التعدي والاختفاء القسري في السجون دونما معرفة السبب, هو خائن ومخرّب وإرهابي, ولا كل من دعا للوقوف بجانب الدولة والقتال على الجبهة ضدّ الإرهاب, والبقاء في الوطن هو مؤيد ومحب لهذا الوطن, ففي الحالتين بحث عن المصلحة والاستقرار.
لذا لابدّ قبل إطلاق أي حكم أن نعي أن الأرض لكل السوريين, وما علينا بعد كل ما جرى إلاّ أن نُسامح وننسى سبع سنوات أخذت منّا نفوسنا قبل أموالنا وبيوتنا, معززين فكرة ليس كل من خرج من الوطن خائن, وليس كل من بقي محب وغيور.
الوطن لكل أبنائه, ومن حقهم أن يتمتعون بجنسيته العربية السورية, فلا يحق لشخص كان من كان أن يسحب مني جنسيتي, ويحرمني وطني, أو يحرمني من العيش تحت سمائه والارتواء من مائه والأكل من غلاله. كذلك لا تبرير لأي طرف من الأطراف في تلطيخ يديه بالدم, كما لا يمكن أن نضع في نفس الصف, من حمل السلاح وقتل مع من لم يحمل سلاح ولم يُرِقْ قطرة دم. لا نستطيع أن نضع في نفس الخانة من هاجر ليصنع مستقبل, بدل الذي ضاع منه مع من هاجر ليتاجر بدم السوريين, وحرّض على قتل أبناء شعبه. أقل ما نستطيع أن نسعى إليه, أن نغسل القلوب من الحقد, ونعيد الوطن بإعمار جداره بطوبة من حب مجبولة بالخير, نستقطب كل من هاجر من جيل الشباب, ليكون مستقبلهم من مستقبل الوطن الأم, والنقطة الأكثر أهمية هي أن نُحيّد الرأي, فلكل رأيه ولكل حقه في حرية التعبير عن هذا الرأي, ومن الضروري أن يكون هناك مزيج من الآراء المختلفة والمتنوعة والمتعددة لكي نتمكّن من الاستفادة منها في معرفة الصواب والخطأ لتسليط الضوء عليه, ولا ننسى أن الحياة مزيج من الأضداد, لذا علينا أن نجبل الخير بالشر, الأمل باليأس ونوّحد الألوان التي سترسم لون علمنا وغدنا في سماء واحدة, وعلم واحد لوطن واحد هو للجميع, لشعب واحد وإن اختلفت الآراء, لكن يبقى النبض واحداً.. سورية أولاً وآخِراً, بالحب والتسامح نعمرها..