من لا يحب الأسمر؟
بداية أتمنى ألا تأخذوا كلامي على أنه نفاق لأحد، فموقفي نابع فقط من كوني إنسانة أحفظ الخبز والسكر، يعني لذلك لا يهون علي أبداً أن يتحدث أحد بكلمة سوء على الحكومة، التي ما زالت تكلف خاطرها وخزينتها تدعمنا بهاتين المادتين، أما موضوع أسمر أو أبيض، فأرجو عدم الوقوف عندها يا سادة يا مواطنين يا مدعومين، وحقيقة أنا مستغربة من أولئك الذين يتأففون من الخبز الجديد الذي (طورته) لنا الحكومة بإضافة النخالة إليه، فما أعرفه أن أغلبهم كان يوصي كل يوم على ربطة خبز أسمر من الفرن الخاص، وذلك بسبب اهتمامه بالرشاقة، فتراه يلتهم ربطة منها مع وجبته الدسمة! وأنا، بناء على تجربتي الخاصة، لاحظت أنه بمواظبتي على تناول الخبز المطوّر صبحاً وعشية فقدت حتى الآن نصف كيلو من وزني، وهكذا أضمن في حال استمرت سياسة (الخبز الأسمر) لسنوات أن أفقد الكثير من الوزن، وقد أتلاشى نهائياً، عندئذ ترتاح الحكومة من خبزي الذي يكلفها كل يوم دم قلبها، كما يذكّروننا دائماً.
أعود لأقول أني أتحدث بقناعة دون ضغط أو إكراه، بل حتى دون تأثر بالمادة الإعلامية التي تبثها قناة محلية تتحدث عن الفوائد الصحية العديدة للخبز الأسمر، والتي أرفقت بصورة لشاب أسمر جذاب لا أدري ما علاقته بالقصة! فهل معناها أن تناول الخبز الأسمر يجعل الشباب سُمْراً مثله، أم يجعل الفتيات اللاتي يتناولنه جذابات بالنسبة لأمثال هذا الشاب؟ على كل ليست هذه قضيتنا، ولكن قضيتنا هي أن سوء الفهم بين المواطن والحكومة يعود سببه إلى جهلنا بالأهداف البعيدة والعميقة للقرارات الحكومية، إذ نعتقد أنها مثلنا لا يتجاوز تفكيرها أنفها – علماً أن أنفها طويل بما فيه الكفاية -، ولكنها في الواقع تختلف عنا بما لديها من خطط خمسية وعشرية وقرنية، ونستطيع أن نتذكر أكثر من مثال على قراراتها بعيدة المدى: الصرافات الآلية مثلاً، هناك بعض السذج الذين يظنون أن الحكومة عاجزة عن زرع الشوارع بالصرافات! ولكن الحقيقة أنها تعمد إلى تقليل عددها في المدينة، لأنها تعرف أن المتقاعد المتعوس وزميله الموظف المحبوس في دائرته ليست لديهما فرصة لشم النسيم واختبار اللياقة البدنية، سوى بالجري من شارع إلى شارع ليتمكن من قبض راتبه في النهاية، وعندئذ يستطيع أن يقول إنه أكل من عرق جبينه، ومن ناحية أخرى، فهو كلما تأخر بقبض الراتب ضمن أن يتأخر في بعثرته، خصوصاً أنه ثبت أن ما زال هناك من يوسوس له الشيطان – والعياذ بالله – في نهاية الشهر أن يصرف نقوده على الملذات الشخصية مثل شراء فروج جاهز لعائلته أو كيلو (أكيدنيا)، ثم يذهب ويشكي ويبكي من أسعار الفاكهة والحلويات، ولكنه معذور فهو على الأغلب اشتراها ليعرّف أولاده عليها، ويلتقط معها صورة تذكارية…
مثال آخر أكثر سطوعاً هو ما فعلته الحكومة عبر الإعلام، ذلك أنها وفرت لكل مواطن منجّماً، قبل سنوات كانت نساء حارتنا يتوددن إلى (أم عمار) لأنها الخبيرة الوحيدة التي تجيد قراءة فناجينهن، أما الآن فقد بارت صنعتها، إذ صرنا نتعثر بالمنجمين المرموقين الذين أضفى عليهم إعلامنا هالة من المصداقية التي ما كانوا يحلمون بها، حتى صار لكل وسيلة إعلامية خبير أبراج وخبيرة طاقة، عدا (العلماء) القادرين على حل كل مشكلة على وجه الأرض من رد المطلقة إلى تزويج العانس (وفي أقل من أربع وعشرين ساعة)، إلى فك السحر وربط الزوج، وكل ما تريد، وقريباً سنسمع في التشكيلة الحكومية الجديدة عن وزارة للشعوذة، وبهذا يخفّ الضغط على الوزارات الأخرى، لأن المواطن بات يثق بكلام المنجمين أكثر من ثقته بكلام مسؤولي الوزارات، فهي تحل لهم مشاكلهم بكلمات قليلة، ودون الروتين الوظيفي والدوخة بين المؤسسات المختلفة.
وفي النهاية أرجو أن تراجعوا معلوماتكم لتتأكدوا مما أقول، وفوق هذا سأطرح عليكم (حزورة) بهذا السياق: لماذا لم تقم الحكومة بإنشاء مصفاة نفط ثالثة في دير الزور، رغم التخطيط لها لسنوات طويلة؟ الذي يعرف الجواب له مكافأة هي ربطة خبز سياحي.