الأداء الحكومي كما يراه المواطن!
أعتقد أنه يشاطرني الأمل والترقب والانتظار الكثير من المواطنين اللاهثين وراء لقمة العيش ودقيقة انتظار عودة الأمن والأمان في هذا البلد بأن تبلغ حكومتنا العنيدة والعتيدة سن الرشد، وتأتي على قرارات ومراسيم، تؤكد لنا أنها قد بلغت سن الرشد، وبالتالي فإن ما تصدره اليوم من قرارات وقوانين لا تتراجع عنها غداً.
في استبيان أجريناه مع عدد من المواطنين عن رأيهم بأداء الحكومة وبقراراتها، فوجئنا بأن عدداً كبيراً من هؤلاء لا يقيم وزناً لما يصدر عن هذه القرارات، فهاهو ذا السيد محمد يتحدث لنا عن قرارات اتخذت وبعد فترة وجيزة تم التراجع عنها، وعلى سبيل المثال فقد أصدر رئيس الحكومة قراره برقم 2125 تاريخ 24 آب 2014 المتضمن حرمان شركة أنظمة المعلومات والاتصالات ics من التعاقد مع الجهات العامة لمدة ثلاث سنوات، بسبب خلل في تنفيذ عقد الصيانة رقم 131/ ش ق، ليتراجع معاليه عن القرار بعد سنة تقريباً، فما الذي تغير ياترى؟!
السيد أبو خليل حدّثنا عن مزاجية القرارات التي صدرت وما زالت تصدر عن وزير الصناعة والتي كانت كارثية على الكثير من المرافق الصناعية، وفي مقدمتها معمل الأسمنت بطرطوس.. فبعد توقيع عقد فرعون تم التوقف عن الاستمرار في تنفيذ بنوده، ثم أشيعت فكرة إلغاء العقد، لأنه يتناقض مع فكرة السيادة على معاملنا وبعد فترة بدأت مراحل توقيع ملحقات لهذا العقد وكل ملحق هو جريمة بحق الاقتصاد الوطني، لا أعلم لماذا يصر هذا الوزير على الاستمرار بها، ومادمنا نتحدث عن هذا الوزير، فتخيل أن يقوم سيادته باقتراح إعفاء مدير عام شركة أسمنت طرطوس لأسباب تتعلق بالنزاهة وقلّة الخبرة وعدم امتلاك النظرة الاستراتيجية والتخطيط السليم بتاريخ 24 شباط 2014 ليعود بعد نحو شهرين فقط في 27 نيسان 2014 ويقترح هذا المعزول مديراً عاماً لمؤسسة الاسمنت في سورية، ليعود بعد افتضاح صفقات الفساد ويعفيه من عمله كمدير للمؤسسة بتاريخ 28 آب .2014. فتخيل هكذا وزارة كيف ستحقق نهوضاً في الاقتصاد الوطني؟!
السيدة سميرة، وهي مهندسة تحدثت لنا عن القرارات المضحكة والتصريحات التي كانت الحكومة تتشدق بها ممثلة بوزير التجارة، وما يسمى خلافاً للحقيقة بحماية المستهلك من أن رفع سعر ربطة الخبز هو من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها لنفاجأ بعد أيام قليلة برفع سعر ربطة الخبز من 15 ليرة إلى 35 ليرة، مع تدهور وضع الرغيف وجودته.. وبالطبع كان العذر أقبح من ذنب يومها، فقد برّروا هذه الزيادة بأنها جاءت للحد من تهريب الخبز إلى خارج البلد، وكأن خبزنا كان يملك من الجودة ما يجعله يهرّب إلى الخارج.. طبعاً واقع الرغيف اليوم في الحضيض ويدعو إلى وضع الكثير من علامات الاستفهام والتعجب عليه، مع التذكير بأنهم كلما تحدثنا عن جودة الرغيف يتحدثون عن ارتفاع نسبة الاستخراج وعن الخميرة، وما إلى ذلك من أعذار هي في الواقع أقبح من ذنوب كما ذكرنا سابقاً.
السيد عيسى مخول، تحدث عن وزارة الاقتصاد والسياسات التي اتبعتها الوزارة خلال سنين الأزمة، مذكراً بتضارب تلك السياسات وتخبطها، وما ارتفاع أسعار السلع والمواد وتقلبات سعر الصرف والقرار المثير للجدل المتعلق بتعليق استيراد بعض السلع والعودة عنه في خطوة بينت تباين الرؤى ضمن الفريق الاقتصادي بالوزارة، وفيما يخص الفريق الاقتصادي الذي شُكّل لتقديم الاستشارات الاقتصادية، نسألهم ماذا قدم هذا الفريق وما هي إنجازاته في ظل الأزمة وهل استطاع حماية الصناعات الوطنية الواعدة، والترويج للصادرات السورية خارج سورية على قلّتها وترشيد الاستيراد لتخفيف الطلب على الدولار، ومنع ارتفاع سعره وفق ما صرح به الوزير لصحيفة (الثورة) ذات يوم، وسعي الوزارة لإنشاء خطوط ائتمانية مع دول أخرى شبيهة بالخط المقام مع إيران لتأمين احتياجات القطر من المواد الأساسية، ولكن لماذا لم يُفعّل قسم من هذه الخطوط بالشكل المطلوب حتى الآن؟!
الأستاذ إبراهيم تحدث عن موضوع منح مبلغ 10 آلاف ليرة سورية للمقاتلين والتجاذبات الكثيرة التي رافقت المشروع، ففي البداية كان الحديث عن منح المبلغ فقط للمقاتلين الموجودين على الخطوط الأمامية في مواجهة الجماعات التكفيرية، مما خلق نوعاً من الاستياء لدى البقية الذين وجدوا أنفسهم في مناطق ليست أمامية، مما أربك القرار، ليتم التراجع بعدها عن فكرة حصر المكافأة بالموجودين على التماس مع المجاميع الإرهابية.. ويسأل الأستاذ إبراهيم قائلاً: ماهو مبرر كل هذا اللغط وهذا التخبط في موضوع بسيط كهذا؟!
الآنسة إيمان تحدثت عن عدم قناعتها بأداء الحكومة، واستغربت استمرار الحكومة على الرغم من تخبط معظم القرارات الصادرة عن وزاراتها، وضربت مثلاً ما حدث ويحدث في وزارة النفط والثروة المعدنية والزيادات المتسارعة في أسعار المشتقات النفطية، وذكّرت بزيادة سعر ليتر البنزين وتراجع الوزارة عنه بعد أيام بمقدار مضحك هو انخفاض سعر اللتر بمقدار خمس ليرات، ليعود بعد فترة ويرتفع بمقدار 10 ليرات وليطالعنا الوزير ويقول بأن الزيادة جاءت بناء على رغبة المواطنين.. وعبرت إيمان في النهاية عن أنها لم تعد تثق بهذه الحكومة على الإطلاق.
أخيراً: لم يعد من المقبول الاستمرار في سياسة الضحك على اللحى واستغباء الناس بجولات استعراضية من هنا وبقرارات هزيلة من هناك لأن المرحلة الحالية والقادمة تفرض أن يكون لدينا وزراء مقاتلون بكل معنى الكلمة، يفكرون بالقرارات ألف مرة، ويدرسونها من كل جوانبها، وتكون البوصلة في تلك القرارات هي المواطن، وبالتالي الدولة، خصوصاً في المرحلة القادمة.. فهل سيتّعظ القادمون من أخطاء السابقين كي لا نبقى نردّد: (اسمع كلامك أصدق.. أشوف أمورك استغرب)؟!