مشكلة تزايد السكان والتنمية البيئية المستدامة

بلغ عدد سكان العالم عند نهاية الستينيات من القرن الماضي نحو 3 مليارات نسمة، أما حالياً فيبلغ عدد سكان العالم حسب معطيات الأمم المتحدة نحو 7 مليارات نسمة.. فالزيادة خلال الخمسين سنة الماضية تساوي الزيادة الكلية عبر آلاف السنين، أي منذ ظهور الجنس البشري على سطح الأرض.

إن الزيادة السكانية الحالية والمتوقعة مستقبلاً على الصعيد العالمي، والتي ستقع كلها تقريباً في الدول النامية أو الأقل نمواً، تهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلدان الأقل تطوراً، إضافة إلى ذلك فإن القضايا البيئية أخذت تظهر على الساحة في المناطق المتقدمة، كما تظهر في المناطق الأقل تقدماً.

لقد أصبح الفقر، الذي يتفاقم مع تفاقم عدد السكان في العالم الثالث، في زماننا المعاصر، ظاهرة بيئية متفاقمة.. ففي حين تضيق مصيدة الفقر العالمية خناقها، ويتزايد الإحساس بعدم الأمان وبالحرمان لدى فقراء العالم، تمتد ظروف التدهور البيئي إلى مزيد من الأراضي الهشة في الكرة الأرضية.. إن الفقر عائق أمام التنمية، والقضاء على الفقر هدف أساسي من أهدافها، والخطير في قضية الفقر أنه في تزايد مخيف، إذ يوجد في العالم حالياً حسب معطيات الأمم المتحدة نحو مليار نسمة يعانون من الجوع وسوء التغذية، ومايزيد عن مليار آخر لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الاستهلاكية الأساسية.. وزهاء مليار ونصف المليار نسمة لا يحصلون على مياه نقية، ويموت ملايين الناس بنتيجة تلوث الهواء والماء.

إن الفقر يضعف قدرة الشعوب على التنمية، لأنه ينتج أجيالاً ضعيفة صحياً وذهنياً، وبالتالي فإن آثاره السيئة لا تقتصر على الجيل الحالي، وإنما تمتد أيضاً إلى الأجيال المستقبلية.. فالفقر المدقع ينتج الفقر في متوالية مخيفة ويورثه إلى الأجيال المستقبلية.. إن الإنسانية تمتلك القدرة على أن تجعل التنمية مستدامة، على أن تضمن هذه التنمية المستدامة تلبية حاجيات أجيال الحاضر دون أن يكون ذلك على حساب قدرة أجيال المستقبل على تلبية احتياجاتهم.

والسؤال الذي يطرح الآن: كيف يمكن إحداث انخفاض في النمو السكاني، وكيف يمكن تعجيل التقدم نحو هذا الهدف؟ وكيف يمكن بلوغ سرعة كافية من النمو الاقتصادي دون تدمير البيئة، أو دون أن يؤثر التكاثر السكاني في مستقبل التوازن البيئي وتوازن كوكبنا بشكل عام؟

إن الإجابة عن هذه الأسئلة أمر هام جداً، ولذلك تعمل العديد من الحكومات على جبهات متعددة لتحديد النمو السكاني والسيطرة على آثار هذا النمو على الموارد الطبيعية، والإفادة من زيادة المعارف في توسيع نطاق هذه الموارد وتحسين إنتاجيتها، وتحقيق القدرات البشرية ليستطيع الناس تسخير الموارد واستخدامها بشكل أفضل، وتوفير ضمانات اجتماعية للناس. وتختلف وسائل بلوغ هذه الأهداف من بلد إلى آخر، ولكن دون شك أن النمو الاقتصادي المستديم والمساواة في إتاحة الموارد الطبيعية هما سبيلان من أنجع السبل لتحقيق انخفاض معدلات نمو السكان.

إن النمو السكاني يترابط مع التنمية بطرائق متعددة، فالتطور الاقتصادي يولد الموارد التي يمكن استخدامها لتحسين الصحة والتعليم على سبيل المثال.. وتؤدي هذه التحسينات مع التغيرات الاجتماعية إلى إنقاص معدلات الإنجاب والوفيات على حد سواء. ومن الجانب الآخر يمكن للمعدلات العالية في نمو السكان، التي تستنزف الفوائض المتاحة للنمو الاقتصادي والاجتماعي، أن تعرقل التحسينات في التعليم والصحة.

إن القدرة على التنمية بحد ذاتها يمكن أن تتعرقل بسبب المعدلات العالية لنمو السكان.. إن التفاعل بين الإنسان والبيئة قديم قدم ظهور الجنس البشري على كوكب الأرض، والبيئة منذ أن استوطنها الإنسان تلبي مطالبه وتشبع الكثير من رغباته واحتياجاته، وكان من نتائج السعي إلى إشباع مختلف الحاجات البشرية مع الزيادة السريعة في السكان، أن تزايدت الضغوط على البيئة الطبيعية باستهلاك مواردها وبتجاوز طاقتها على استيعاب النفايات الناتجة عن الأنشطة البشرية، وتجاوزت المتطلبات الحدود في بعض الحالات بدرجة أصبحت تشكل خطراً على توازن الغلاف الجوي، كما هو الحال بالنسبة لطبقة الأوزون التي تحمي البيئة من أذى الأشعة فوق البنفسجية، وزيادة نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الهواء، وغير ذلك من التغييرات التي انعكست على المناخ ككل.. ويقدر أن كمية الشوائب المتصاعدة في الهواء فوق القارات في نهاية عام 2007 والمحتوية على كثير من الفلزات تساوي على التقريب كل ما في المياه الطبيعية (العذبة والمالحة) من هذه الغازات (1).

وإلى جانب المشكلات البيئية ذات الآثار العالمية، والتي أحدثها تدخّل الإنسان المستمر في التوازن الطبيعي لأنظمة البيئة، هناك مشكلات أخرى تقتصر على أجزاء معينة من سطح الأرض، مثل انحسار الغابات في بعض المناطق، وانقراض بعض الحيوانات البرية، وزحف الصحاري وغيرها.

إن التدهور البيئي يهدد الناس في شتى أرجاء العالم، ويقوض سبل رزق نسبة كبيرة منهم، والفقراء أنفسهم يمارسون ضغطاً على البيئة، لعدم وجود متسع من الخيارات أمامهم، ولكن الاستهلاك من جانب الأغنياء يفعل ذلك أيضاً.. فنمو أسواق صادرات الأسماك والورق على سبيل المثال، ومنتجات أخرى كثيرة معناه استنزاف الأرصدة البحرية وانخفاض درجة التنوع البيولوجي، وتضاؤل الغابات.. ومعظم تكاليف ذلك يتحملها الفقراء، مع أن أغنياء العالم هم الذين يستفيدون أكبر استفادة (خمس سكان العالم ممن يعيشون في أغنى البلدان يستهلكون 84% من ورق العالم) (2).

ويقدر العلماء أن زيادة عدد السكان مسؤولة عن ثلثي الزيادة في انبعاث ثاني أوكسيد الكربون في العالم، وفقدان 80% من غابات المطر الاستوائية، وتتسع رقعة الصحراء كل عام ما يقرب من ستة ملايين هكتار، ويقدر معهد الرصد العالمي كمية التربة الزراعية التي تُفقد سنوياً بنحو 25 مليار طن، وهي تعادل تقريباً الكمية التي تغطي أراضي زراعة القمح في أستراليا. (3)

كانت دول العالم الثالث تقليدياً تتحمل مسؤولية الزيادات الضخمة في عدد السكان، وتقدر منظمة الصحة العالمية أنه في الأعوام 1960-1965 استخدم 31 مليون شخص في العالم الثالث موانع الحمل، وقد ارتفع هذا الرقم إلى نحو 400 مليون شخص في الفترة ما بين 2000 و،2008 ويترجم هذا إلى معدل 6,1 أطفال تقريباً لكل امرأة عام 1965 بالمقارنة مع 3,9 أطفال عام 2008.

وفي المقابل ولد في عام 2005 ما يزيد على أربعة ملايين طفل في الولايات المتحدة الأمريكية. وتبلغ نسبة المواليد الكلية في الولايات المتحدة حالياً 2,1 طفل لكل امرأة، مما يجعلها واحدة من الدول الصناعية الأسرع نمواً. على أن مقدار التلوث الذي يسببه الأمريكي العادي يزيد على ذلك الذي يسببه مواطن عادي من دول العالم الثالث بعشرين إلى مئة مرة.. ويماثل استهلاك الأمريكي الواحد للطاقة ما يستهلكه 3 يابانيين أو 6 مكسيكيين أو 13 صينياً أو 35 هندياً أو 153 بنغلاديشياً أو 499 إثيوبياً (4).

هذا مع العلم أنه على المستوى العالمي، وخلال الفترة من عام 2000 إلى 2007 انخفضت حصة أنواع الوقود التقليدية التي تسبب تلوثاً شديداً، وتستعمل مصدراً للطاقة بنحو الخمسين، كما تبلغ كمية المخلفات الناتجة في  الولايات المتحدة عن المصانع والمتاجر ومواد البناء، إضافة إلى قمامة المنازل حداً هائلاً يصل إلى نحو مليون طن في اليوم، أي بمعدل 4 كغ لكل فرد في اليوم. (5)

يعد استهلاك الطاقة الفردي (قبل الأزمة بالطبع) وشدة استخدام الطاقة في سورية على سبيل المثال حول المعدل، باعتبارها دولة شرق أوسطية ذات دخل متوسط.. ولكن كانت هناك عدة فرص لزيادة كفاءة استخدام الطاقة وتقليل استهلاك الوقود السائل، والتي يمكن أن تخفض انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون المقدرة بـ40 مليون طن/ السنة بنحو 10% على الأقل، وكان يمكن أن يؤدي ذلك في الوقت نفسه إلى منافع بيئية واجتماعية واقتصادية هامة (6).

ويساهم نمو مناطق السكن العشوائي المزدحم بالسكان في المناطق المحيطة بالمدن السورية، وخاصة في دمشق وحلب، إلى تدهور نوعية الحياة الحضرية، حيث يسكن 10% من عدد السكان الإجمالي في هذه المناطق التي تتصف عادة بالازدحام ونوعية الهواء السيئة وعدم توفر شبكات مناسبة للصرف الصحي أو شبكات مياه الشرب.. إضافة إلى ذلك فإن مناطق السكن العشوائي غالباً ما تؤدي إلى بنية فيزيائية متنافرة عمرانياً تسيء إلى قيمة المراكز القديمة التراثية وشكلها، إضافة إلى آثارها السلبية على الموارد الطبيعية، مع العلم أن نسبة النمو السكاني في سورية 3,2 بالمئة سنوياً، ويعتبر من بين الأعلى في العالم، فقد ازداد الطلب على الموارد الطبيعية، وخاصة الأراضي الزراعية والمياه العذبة أكثر من قدرة التحمل والتجدد لهذه الموارد.

باختصار.. إن السياسة السكانية ينبغي أن تطرح وتتابع أهدافاً سكانية وطنية عريضة وثيقة الصلة بالأهداف الاجتماعية – الاقتصادية- البيئية وغيرها.. إن العوامل الاجتماعية والثقافية تسيطر على جميع العوامل الأخرى في التأثير على الإنجاب.. وأكثر هذه العوامل أهمية هو الدور الذي تلعبه النساء في العائلة، والاقتصاد، والمجتمع بصورة عامة، وتهبط معدلات الإنجاب بمقدار ما ترتفع فرص عمل المرأة خارج العائلة والحقل، ومع اتساع فرصهن في  التعليم، ومع ارتفاع أعمارهن عند الزواج.. لذلك لا يجدر بالسياسات العاملة لخفض معدلات الإنجاب أن تشمل على حوافز ومثبطات اقتصادية فحسب، بل عليها أن تهدف إلى تحسين وضع المرأة في المجتمع كذلك. مثل هذه السياسات ينبغي أن تدعم حقوق المرأة بشكل أساسي.

إن التحول إلى تنمية مستدامة خلال الجزء الأول من القرن الحالي، يتطلب زيادة معدل الدخل الفردي السنوي في البلدان النامية، واتباع سياسات صارمة لتحقيق قدر أكبر من العدالة داخل البلاد النامية، وبين العالم الصناعي والبلدان النامية. ورغم أن البلدان الصناعية تضم ربع سكان العالم، فإنها تستهلك ما يزيد عن 80% من السلع العالمية، أما البلدان النامية التي تضم ثلاثة أرباع سكان العالم، فإنها تحصل على أقل من ربع الثروة العالمية، ويسير التفاوت باطراد من سيئ إلى أسوأ. (7)

إن كل ذلك يتطلب تضافر الجهود العالمية لإيجاد حلول لهذه المسائل المطروحة التي لم تعد تقبل التأجيل أو المماطلة.

*****

(1)- برنامج الأمم المتحدة: تقرير التنمية البشرية عام 2008.

(2)- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية البشرية لعام 2008.

(3)- ماكينيل. ح. استراتيجيات لتنمية اقتصادية مستديمة- مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.

(4)- ماريان كركوب: نحو عالم أخضر-دار الكرمل للنشر والتوزيع، عمان.

(5)- أحمد مدحت، إسلام، التلوث مشكلة العصر.

(6) وزارة الدولة لشؤون البيئة- الاستراتيجية الوطنية للبيئة – المشروع الأولي 2008.

(7) ماكينيل.ج- استراتيجيات لتنمية اقتصادية مستديمة- مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.(5)-

العدد 1140 - 22/01/2025