العولمة والاقتصاد والسيادة….ندوة جمعية العلوم الاقتصادية التفاعلية الحوارية الثانية في اللاذقية
عقدت جمعية العلوم الاقتصادية- فرع اللاذقية، ندوتها التفاعلية الحوارية الثانية ضمن سلسلة ندواتها بمناسبة العيد الذهبي للجمعية، برئاسة الدكتور سنان علي ديب، وكانت بعنوان (العولمة والاقتصاد والسيادة).
وقد بدأ الدكتور سنان حديثه عن ظاهرة العولمة التي أخذت في العقدين الأخيرين منحى يوافق مصالح الولايات الأمريكية التي شعرت بقوتها وعنجهيتها بعد البيروستريكا السوفيتية. والهدف من هذه العولمة المزودة بالقوة العسكرية ووفرة البيانات والمعلومات عن أغلب بلدان العالم هو الكسب الاقتصادي والتفرد بقيادة العالم اقتصادياً، واستمرار اللعبة الاقتصادية العالمية بين مركز وأطراف، ولكن الفرق هو السيطرة على كل دول العالم من خلال التفرد بقيادة العمليات الاقتصادية والسياسية بمؤسسات للدولة المسيطرة شكلها دولي ومضمونها هيمنة كبيرة، وهو ما آلت إليه الظروف، فمجلس الأمن مسيطر عليه والبنك الدولي وصندوق النقد هدفهم فرض نموذج اقتصادي يحابي مقررات مؤتمر واشنطن من حيث سحب سيطرة الدول عن العملية الاقتصادية، وخلق مراكز قوى اقتصادية مرتبطة معولمة، وزيادة تمركز الرأسمال عبر تكتلات من الشركات العابرة للدول. ولا يمكن تمرير مشاريع كهذه من دون اللعب بالنسج الداخلية للبلدان وذلك باللعب على هوياتها الوطنية ومحاولة تهشيمها وتهميشها، والقطع مع الجذور التاريخية للبلدان، وأي امتناع عن التنفيذ يكون التدخل العسكري هو الحل، كما حصل في يوغسلافيا والعراق، أو المجازر والمذابح كما حصل براوندا، وبالتالي الحفاظ على الهوية والتماسك الاجتماعي هو العلاج الأقوى لإعصار العولمة هذا. وكذلك كان لشماعتي الديمقراطية وحقوق الإنسان دور كبير في التدخل بأمور البلدان واللعب بنسجها من أجل تهميشها وتهشيمها. ولا يمكن لقطار العولمة المتأمركة أن يسير من دون التفريغ المنظم لمؤسسات التنشئة المختلفة من دورها المنوط بها من مؤسسة تعليمية أو إعلامية أو دينية، وتفريغ دور الأسرة من مضمونه، وبالتالي هناك تعاكس كبير بين موجة العولمة والسيادة التي انتهكت بالعولمة وفرغت من الأدوات الحافظة لها. والحامية لها وهنا مفهوم السيادة نسبي يتعلق بالظروف والأدوات، وقد يكون اللجوء لبعض الدول بالشكل العام انتهاك للسيادة، ولكن الهدف الاستراتيجي هو مد يد المساعدة للعون لاستعادة مستقبلية لسيادة منتهكة من قبل أدوات العولمة المختلفة، وهو ما كان بالنسبة لبلادنا التي سارت على نهج اقتصادي عوّم قوى وفئات متعولمة، وأدى لهشاشة بالبنيان مترافقاً مع ضخ إعلامي مهشم ومشقق للنسيج الاجتماعي، ما جعل بلادنا ساحة صراع وتصفية حسابات ومعارك معولمة لقوى تتصارع بأفكار وأدوات أبعد ما نكون عنها، وبالتالي فالهمّ الآن هو الحفاظ على بلادنا، والوصول لسورية الحل السوري الذي لم يقصر أي كان بعولمة مشاكله ومحاولة عرقلة الحلول السورية البحتة.
فتح باب الحوار فتكلمت دينا إلياس عن عدم صوابية النظر إلى العولمة بنظرة سلبية، فلها ايجابيات كثيرة، ولكن يجب أن يكون المجتمع محصناً للوصول إليها، ولكن الذي حصل أن شبابنا مخدرون وغير مهيئين للسير بها، فكانت النتائج سلبية وانعكست سوءاً وأخطاراً على المجتمع. وبعد ذلك تكلم نديم شامدين عن الهدف من العولمة لبلادنا هي عولمة الفوضى والفساد من خلال القضاء على الدولة وإضعافها وضرب المجتمع ببعضه، وتحويل البلد لساحة صراعات، وهو مشروع دولي لتحطيم وتدمير ما وصلت إليه سورية من بنى وتنمية فاقت أغلب البلدان، وقد ترافقت برامج العولمة بغياب الخطابات المناسبة من قبل الإعلام ورجال الدين وغياب إيديولوجي، وتغليب بعض الشخصيات على المؤسسات وأكد أن هناك دوراً سلبياً للمواطن قبل المسؤول، في مرور هذا المشروع. وتحدث عبد الهادي شحادة عن قِدم العولمة وعن عولمات تاريخية انطلقت من سورية، وأن أساس الفشل في مواجهتها يتعلق بالموروث الديني والقومي وإفلاس الشعب من الثقافة والفن. ثم تكلم الباحث سهيل يونس مشبهاً سورية بجسم الإنسان المحتاج إلى غذاء وله قدرة محددة وله حدود، وأن هناك قدرة كامنة وقدرة فعلية، فالاقتصاد والبنية التحتية والدين والسكان قدرة كامنة، ولتحويلها إلى فعل بحاجة إبداع وفكر وفعل، وإن الفساد مقتل لهذه القدرات وتحويلها لاتجاه مغاير لما يحمي الحدود والوجود. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي سيطرت أمريكا التي أصبحت تهيمن ولكنها دخلت بصراع ما بين قيادتها للعالم وبين الرأسمالية. وبالنسبة لسورية بعد ما جرى أصبحت دولة مدمرة بحاجة إلى معرفة القدرات والاحتياجات لتحقيق الأهداف، وبالتالي الاستعانة بالأصدقاء لا تكفي، الإمكانات وبناء سياسات تحالفية حقيقية تعيد لسورية قوتها وسيادتها. ولابد من خيار ثالث وهو الاعتماد على القدرات المحلية ومحاولة تفعيلها بما يقوي المناعة.
الباحث غدير غدير تكلم عن الفراغ الكبير الذي يعيشه شبابنا من قبل الأزمة، من خلال ضعف مؤسسات التنشئة، والانقياد لما تبثه أدوات العولمة من إنترنت وفضائيات، وأن هناك تناقضاً بين القول والفعل، وفائضاً بالتنظير، وسياسات محابية للبعض أدت لهشاشة الطبقة الوسطى وبروز طبقة جديدة معرقلة لحركة تطور المجتمع، وهذه الطبقة الناجمة عن الفساد تحظى بمكانة وسلطة قوية تتفوق على سلطة أكبر حاملي الشهادات. وتكلم الشيخ عيسى غدير عن وجوب أن يكون هناك منهاج للأخلاق بدلاً من التربية الدينية والقومية، مثلما كانت عليه المناهج خلال منتصف القرن الماضي، واقترح توسيع هذه الندوات وتعميمها لما لها من فائدة وتغليب لغة الحوار واستثمار الاختلافات بشكل بناء. وتعرضت إحدى المداخلات للخلل في سياسات المؤسسات التعليمية وغياب دور الأحزاب وخاصة اليسارية والعلمانية وتغييبها، وأن فساد التعليم والقضاء من أهم الأدوات التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه.
وتكلم الباحث علاء خزام عن الدور المهم للتحالفات الإقليمية والدولية لمواجهة إعصار العولمة.
وتكلم الباحث بسام الحسين عن دور الفساد والنهب في سهولة الولوج إلى بلادنا وتمرير المشاريع الدولية المرسومة.
وختم رئيس الجلسة بأن الهمّ والاهتمام محاربة عولمة الأزمة السورية بسورنتها، ولا يتم ذلك إلا من خلال التعاون الكامل بين القوى الوطنية في كل مفاصل البلد، وتسخير كل الإمكانات لتقوية هذا التحالف، وإن أي مساعدة للدولة السورية، بما لا يسلب القرار ولا يشتت ولا يفرق بين المواطنين، هي مقوية للسيادة ومساعدة للعودة القوية، وأي لعب بالنسيج الداخلي أو تقوية مراكز قوى غير مؤسساتية يصب ضد سيادة البلد ويساهم في استمرار الأزمة بل وتأزيمها، وأن مواجهة العولمة تتطلب نهجاً اقتصادياً يراعي الخصوصية السورية ويستند على سياسة تعيينات تكنوقراطية وإصلاح مؤسساتي وفصل السلطات ورقابة دائمة ومحاسبة مستمرة. تستمر سلسلة الندوات بندوة يوم الثلاثاء القادم بعنوان (الاستثمار الواقع والآفاق).