دير الزور.. والجوع!
كل يوم تطلع فيه الشمس تزداد مأساة أبناء دير الزور داخل مدينتهم جوعاً وشدة وتعباً.. فمنذ عدة أيام توقف فرن حي القصور عن إنتاج مادة الخبز، التي تعد المادة الغذائية الوحيدة الباقية في متناول أيدي فقراء المدينة وأصحاب الدخل المحدود فيها للبقاء أحياء، هم وأطفالهم، بعد أن نفدت معظم المواد الغذائية من الأسواق ومراكز البيع، وأصبحت أسعارها ضرباً من الخيال، والحصول على البعض منها يكلف المواطن مالاً يطيح براتبه الشهري في أيام لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، والرابح الأكبر من هذه الأزمة هم التجار والمهربون والمتنفذون وداعش التي تحاصر المدينة منذ عدة أشهر، وقد حصد هؤلاء كل ما كان يملكه آلاف سكان المدينة من مال ادخروه لوقت الحاجة، كما يقول كبار السن، وقد اضطر العديد من أهالي المدينة إلى بيع أثاث بيوتهم بأرخص الأثمان من أجل إسكات صرخات الجوع التي تنطلق من أفواه أطفالهم التي تطالب بالطعام وسد الجوع!
ويأتي انقطاع الخبز ليشكل كارثة حقيقية أمام سكان هذا الحي الكبير، فالخبز هو المادة الوحيدة كما أشرنا للبقاء على الحياة، فسعره لايزال مقبولاً ومقدوراً عليه، ويمكن أن يسد حاجات البطون الخاوية، فالغالبية العظمى من أهل المدينة لا يقتاتون إلا منه، وقد ذكرت إحدى الأمهات بأنها تقدم لأطفالها الخبز مع الماء الذي تلونه بأحد ظروف الشراب الملون..
والأسعار الكاوية والخيالية لبعض المواد المتوفرة وهي شحيحة تتصاعد بشكل مخيف ومرعب، فهي تتضاعف يومياً دون رقيب أو حسيب.. فالأسعار التي تكوي أبناء مدينة دير الزور حين نشرتها جريدة (النور) في عددها الصادر يوم الأربعاء 29 تموز 2015 كانت رحمة آنذاك، فاليوم الباذنجان الأسود الذي ذكرته الجريدة بمبلغ 1700 ل.س، أصبح اليوم بـ3000 ل.س، وكذلك بقية المواد الأخرى، فأصبح الرز بـ2500 ل.س للكيلو الواحد، وكذلك السكر والزيت والبطاطا وبقية الخضار، وحتى البقدونس والنعناع وغيرها.
فقد ذكر أحد أبناء مدينة دير الزور أنه أراد أن يكرم أطفاله بأكلة (محشي) يحبونها ويطالبونه بها منذ أشهر، فاشترى لهم ثلاثة كيلوات من الباذنجان الأسود بتسعة آلاف ليرة سورية، وكيلو رز بـ2500 ل.س، وليتر زيت نباتي بـ3000 ل.س، وخيارتين وقثاء عدد اثنين بـ1500 ل.س، فكلفته – يا رعاك الله- أكلة المحشي هذه راتبه الشهري بالكامل!
وحين تبحث في أسواق المدينة الخالية لا تجد سوى تجاراً جشعين على عدد أصابع اليد، يضعون بضاعتهم من الخضار التي جلبوها من المزارع المحيطة بالمدينة المحاصرة، يحتكرونها من أجل مضاعفة أسعارها عدة مرات، وإلى جانبهم تجار يضعون في محلاتهم وبسطاتهم مواد قليلة جداً، قد خزنوها في الأيام الأولى من الأزمة، ثم أخرجوها بالقطارة لاحتكارها والتحكم بأسعارها، فيعرضون مثلاً علب المرتديلا الصغيرة ويبيعون القطعة الواحدة بـ1500 ل.س وكذلك علب الجبنة (البقرة أو الولد) أو غيرها من جبنة المثلثات، ويبيعون العلبة الواحدة منها بـ1200 ل.س، أي أن قطعة الجبن الصغيرة التي لا تزن عدة غرامات بـ150 ل.س!
وعلى الرغم من محاولات مؤسسات الدولة (التجزئة- الاستهلاكية) للتدخل في خفض تلك الأسعار الجنونية ببيع كميات منها، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، بسبب قلة تلك المواد، التي لا تكفي لحي واحد، فكيف بربع مليون إنسان يسكنون داخل الأحياء المحاصرة، يضاف إلى ذلك سوء عمليات التوزيع والبيع غير المنظم والعادل!
إن هذه الحالة المأسوية لأهالي مدينة دير الزور المحاصرة تتطلب حلولاً جذرية ومعالجات سريعة لتوفير المواد الغذائية الضرورية من خضار وفواكه ومواد أساسية.
إن التبريرات بعدم القدرة على ذلك، أو بالقول غير الحقيقي عن وجود مواد في مراكز البيع للمؤسسات الاقتصادية لا تقنع أحداً من الجائعين، إذ لا يمكن بالنفي وحده حجب الحقيقة عمن يعاني ويرى ويتألم.. بل يتطلب الأمر دراسة كل الحلول والسبل والطرق من أجل إيصال المواد إلى أهالي المدينة، وحل مسألة الجوع لديهم بكل الوسائل الممكنة، ومن يبحث يجد الحل.