الموت يغيّب شيخ أدباء الوطن المحتل.. علي الخليلي.. وداعاً!
غيّب الموت الأسبوع الماضي في مدينة رام الله، شيخ أدباء فلسطين الشاعر والكاتب الصحفي المناضل علي الخليلي عن عمر يناهز السبعين عاماً بعد صراع مرير مع مرض السرطان.
يعدّ الخليلي أحد الآباء المؤسسين للمشهد الشعري الفلسطيني المقاوم تحت حراب الاحتلال في المناطق الفلسطينية عام ،1967 وأحد أبرز رموز الثقافة العربية الفلسطينية، وقد تميّز دائماً في الأوساط الأدبية من خلال سيرته ومسيرته بنبل شخصيته، وبطيبته، وتواضعه، وحضوره الثقافي الذي أغنى الثقافة الوطنية الفلسطينية، بإبداعاته الحداثية المتجددة. وكان (رحمه الله) ذا كلمة صادقة تنم عن روح مناضل وطني مدافع وملتزم بقضية وطنه وشعبه.
(النور) سجلت بالمناسبة الأليمة شهادات لشعراء وكتاب فلسطينيين ممن عرفوا الفقيد، يقول الشاعر الدكتور إيهاب بسيسو (المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية): (رحيل الكاتب والشاعر الكبير علي الخليلي يشكل خسارة للمشهد الثقافي الفلسطيني، فعلي الخليلي بسيرته وإنجازه الأدبي والصحفي مثّل حالة مميزة على مر العقود الماضية التي نشط فيها شاعراً وكاتباً وباحثاً تميزت أعماله بالغزارة والنوعية، وتميزت مساهماته المهنية بالنشاط والمثابرة لا سيما خلال ترؤسه لتحرير العديد من الصحف والمجلات في الوطن المحتل، ومساهمته مع رفاق جيله في تأسيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين ونقابة الصحفيين الفلسطينيين.
إن إرث علي الخليلي الأدبي واضح المعالم ويشكل منارة للأجيال القادمة خصوصاً في أعماله التي تنتمي لأدب المقاومة في فلسطين في عقدي السبعينيات والثمانينيات. كما أن دوره من خلال موقعه كوكيل مساعد وزارة الثقافة منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية حتى عام 2005 ساهم في إثراء المشهد الثقافي الفلسطيني، وقد اختير شخصية العام الثقافية في 2011 عن مجمل سيرته وإبداعه ونشاطاته الثقافية.
علي الخليلي يخرج مؤقتاً من الحاضر ليعود مرة أخرى في الذاكرة وليحضر مجدداً في وفائنا لسيرته وذكراه… وفي قدرتنا جميعاً على الاستمرار فيما بنى هو ورفاقه الراحلين الفلسطينيين الذين شكلوا بتراثهم مدرسة الوطن الباحث عن غد مشرق بالحرية والاستقلال).
ويحدّثنا الشاعر سميح محسن، بكثير من الحزن ومرارة الفقد: (لقد أوجَعتَ قلبي يا عليّ. يبدو لي أنّه غيرُ مسموحٍ للفرحِ أنْ يستوطِنَ فينا، هو يمرُّ مروراً سريعاً فقط، وأمّا الحزنُ فهو المستوطنُ فينا أبداً، حتى أصبحنا لا نميّزُ بينه وبيننا، كأننا والحزن توأم سيامي.
عندما نذكر اسم علي الخليلي، فنحن لا نَحملُ عنه سوى الذكرياتِ الجميلةِ. ذكريات عن ذلك الإنسان الجميل الذي كان يخاطبنا بقلبه الذي توقف نَبضُهُ صباح يوم الأربعاء. وإن كنّا لا نعلمُ ساعتَنا، إلا أنّنا كنا نتوقعُ أن يسبقنا الموتُ إليه، ويخطفه من بيننا، كوننا نعلم طبيعة مرضه. كل مَنْ عرفَ علي الخليلي سيبكيه، وسيُوجَعُ قلبُهُ لرحيله. وسيتوقفُ كل مَنْ عرفَ عليّاً كثيراً أمامَ دوره الريادي في رعاية جيل من الكتّاب الفلسطينيين الذين بدأت رحلتهم مع الكتابة تحت الاحتلال. نعم، كل مَنْ عرفَ علي الخليلي سيتذكرُ تواضعه، وحبه للناس، وتقديمهم على نفسه. وكل مَنْ عرفَ علي يتمنى أن يحمل الكثير من صفاته. لقد أوجَعتَ قلبي يا عليّ)!
وقال الناقد والقاص زياد أبولبن: (لم تربطني علاقة شخصية بالمبدع علي الخليلي، وإنما تتصل علاقتي به عن طريق مؤلفاته الكثيرة، التي شكّلت إضافة نوعية إلى المكتبة العربية، فهو شاعر وروائي وقاص وباحث في التراث الشعبي، وهو كذلك صحفي متمرس في العمل الصحفي، ومناضل صلب، وقد عانى سنوات طويلة في شتات الفلسطيني الطويل، في لبنان وليبيا والسعودية والأردن، إلى أن عاد للوطن في ثمانينيات القرن الماضي، ترك بصمات واضحة في العمل الثقافي من خلال وزارة الثقافة الفلسطينية، وفي الإعلام من خلال جريدة (الفجر) المقدسية، والعمل النقابي وهو من مؤسسي اتحاد الكتّاب الفلسطينيين ونقابة الصحفيين.
علي الخليلي المناضل الفلسطيني الذي تشبثّ بالوطن ورفض علاجه في الخارج، وبقي يعاني آلام السرطان الذي تعايش معه طويلاً، تابعت أخباره وفرحت عندما اختير شخصية العام الثقافية
،2011 لأعود بذاكرتي إلى عام 1996 عندما عملت باحثاً في قسم الدراسات في وزارة الثقافة الأردنية، وقررت الوزارة طباعة كتابين، الأول لعلي الخليلي (القرابين إخوتي) والثاني لزكريا محمد (العين المعتمة)، وتم تكليفي بمتابعة إجراءات طباعة الكتابين بالتنسيق مع وزارة الثقافة الفلسطينية.
التقيت زكريا محمد في عمان مرتين، ولم تشأ الأيام أن ألتقي علي الخليلي، فتابعت أخباره، وأخذني الحزن والألم كل مأخذ وأنا أتابع أخبار تدهور صحته يوماً بعد يوم، أن يداهمه الموت، فيرحل إلى عالم أكثر نقاءً ورأفة بحاله، وتبقى أصداء علي الشاعر والقاص والروائي والباحث والصحفي والمناضل تجوح في رمال الصحراء العرب، وفي فضاء كوني معتم).
في سطور..
ولد علي فتح الله الخليلي عام 1943 في حي الياسمينة – القصبة – نابلس.
حصل على مؤهل عالٍ في الإدارة العامة من جامعة بيروت العربية عام 1966.
ترأس الراحل تحرير عدد من الصحف والمجلات في الأرض المحتلة، وأسس مع رفاق جيله اتحاد الكتاب الفلسطينيين ونقابة الصحفيين الفلسطينيين، وقد ترك الخليلي بصمات واضحة على أدب المقاومة في فلسطين في عقدي السبعينيات والثمانينيات، وشغل منصب وكيل مساعد وزارة الثقافة منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية حتى عام ،2005 وتم اختياره شخصية العام الثقافية في 2011.
عمل رئيساً لتحرير (الفجر الثقافي)، ثم رئيساً لتحرير جريدة (الفجر) المقدسية.
من أعماله الشعرية: (تضاريس من الذاكرة) ،1973 (نابلس تمضي إلى البحر) ،1976 (تكوين للوردة) ،1977 (جدلية الوطن) ،1978 (مازال الحلم محاولة خطرة) ،1980 (وحدك ثم تزدحم الحديقة) ،1981 (سبحانك سبحاني)،1990 (هات لي عين الرضا، هات لي عين السخط) 1996. ومن أعماله الإبداعية الأخرى: (المفاتيح تدور في الأقفال) – رواية، (ضوء في العتمة) -حكاية، (عايش تلين) – حكايات للأطفال -، (الكتابة بالأصابع) – حكايات وجدانية-.
ومن مؤلفاته: (التراث الفلسطيني والطبقات)، (البطل الفلسطيني في الحكاية الشعبية)، (أغاني الأطفال في فلسطين)، (أغاني العمل والعمال في فلسطين)، (النكتة العربية)، (الغول: مدخل إلى الخرافة العربية)، (شروط وظواهر في أدب الأرض المحتلة).