ثمرة أعمالنا وحدنا من يحصدها

ها قد صدرت نتائج امتحانات الشهادات (التعليم الأساسي والثانوية).

يا لها من فرحةٍ تعم الأرجاء هنا!، ويا لها من خيبةٍ تكسر الأرواح هناك!

بيوتٌ ملأتها الزغاريد والتهاني، وبيوتٌ غمرها الحزن والأسى…

أمهاتٌ وآباء رقصوا طرباً ونشوةً بتحقيق الحلم، وآخرون نكّسوا رؤوسهم حسرةً وخيبةً على أملٍ ضاع.

طلابٌ أدركت دموعهم معنى الفرح، وآخرون تذوقت نفوسهم طعم الألم.

إنها حصيلة تعب عامٍ كاملٍ، بكل ما لكلمة تعبٍ من معنى، تعب الطالب وجدّه، واجتهاده، وتعب أهلٍ حالمين بأن يحقق أبناؤهم ما لم يحققوه أنفسهم، فبذلوا كل ما يستطيعون ولم يدّخروا وقتاً ولا جهداً ولا مالاً، مقدمين لفلذات أكبادهم جلّ ما بمقدورهم، ليتحقق المراد.

بمجرد أن ينقضي العام الدراسي للصف السابق للشهادة، تبدأ الاستعدادات، وتبدأ رحلة السعي خلف المدرسين الخصوصيين، والمعاهد المتخصصة، والبحث في آليات توفير الراحة النفسية، والمكان والجو الملائمين، إضافةً إلى العمل الحثيث على تأمين المبالغ المالية المطلوبة واللازمة (والباهظة)، التي تشكل بحد ذاتها إرهاقاً وعبئاً كبيرين على عاتق الأهل، هذه جمعيةٌ من هنا، وذاك قرضٌ من هناك، واستدانةٌ من الآخرين، ولنا أن نتوقع الأكثر من ذلك.

كل هذا من أجل أن يشعر الطالب بالراحة التامة، والجو المناسب، وألا ينقصه عن أقرانه شيء، متناسين الفوارق الذهنية والمقدرات الدراسية بين الأقران، وأيضاً بين بيئاتهم وإمكاناتهم المعاشية، فكم من أسرةٍ حرمت أفرادها الباقين كل ما يتمنونه في سبيل أن تقدم لطالب الشهادة كل ما من شأنه أن يجعله بمستوى أقرانه وزملائه، حالمةً بذاك اليوم الذي تحصد فيه نتيجة تعبها وحرمانها وأملها وألمها…

وبطبيعة الحال، فإن هذه الجهود بكل مجالاتها تستمر وتستمر، طيلة فصل الصيف، وتتزايد بحلول العام الدراسي، إلى أن يأتي موعد الامتحانات، وهنا أيضاً يصبح الجهد على أشدّه، إلى أن ينتهي الامتحان وتصدر النتائج.

فإن جاءت النتيجة متوازيةً مع ما تم تقديمه، تطير القلوب فرحاً وحبوراً.

وإن كان العكس، فحكماً سيكون الشعور بالغم والهم مرافقين لذاك اليوم على مدار ساعاته كلها.

وكم من الطلاب كان لهم ما هو أكثر بكثير من مستواهم الدراسي ومقدراتهم الذهنية وميولهم، لكنهم استطاعوا أن يحققوا شيئاً بعد كل التعب والجهد المضنيين، فكانوا على قدرٍ عالٍ من المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وبنتائجهم عبروا عن امتنانهم لأهلهم ولكل ما تقدم لهم.

بينما الطامة الكبرى، تكون عندما يمتلك هذا الطالب أو ذاك، من المقدرات ما يؤهله للوصول إلى أعلى الفروع سواء في الجامعة أو في الدراسة الثانوية، وقد قدّم الكثير له، كي يصل إلى بر الأمان، إلا أنه استهتر بذاته وإمكاناته، وبأهله وجهدهم وأحلامهم، فكان الفشل له بالمرصاد. لا يقتصر الفشل على الرسوب فقط، ذلك بأن في الرسوب أملاً يتجدد في العام التالي، أما أن يكون المجموع قليلاً، غير مؤهلٍ للوصول إلى شيء، فهذا ما سميناه الطامة الكبرى.

قد يقول قائل، إن بمقدور الطالب في هذه الحال أن يتقدم للدورة التكميلية الثانية للشهادة الثانوية، فيصحح مساره.

ألف مبروكٍ من القلب نابعة، لكل من استطاع أن يحقق بعضاً من أحلامه وأحلام أهله، وعل التجربة المريرة التي تعرض لها البعض الآخر تستحث لديه بعضاً من الشعور بالمسؤولية، فتحفزه على الوقوف مرةً أخرى، إذ لكل جوادٍ كبوة.

العدد 1140 - 22/01/2025