تغريدة على صفحة الجريدة!

مع بداية يوم عمل جديد، تبادرنا إلى تشكيلتنا في العمل، التي تحاكي إلى حد بعيد تشكيلتنا في الوطن، تبادرنا إلى المصابحة والسلام، وتبادلنا المعايدة والآمال، بحلول الشهر الكريم، وبتماثل بلدنا للشفاء من الكارثة (الوباء)، قبل عودة رمضان آخر.

وإذ أشرقت إحدى الزميلات بتغريدة على صفحتها في الكلام، فلم تنسَ الزميلة أن تغمز بطرف عينها ولسانها، من قناة غير الصائمين مِنَّا، الذين إن فاتهم مشاركة الآخرين صيامهم، فلم تفتهم مشاركتهم أفكارهم وأعيادهم، فضلاً عن مشاركتهم معهم، في الحلوة والمرة والسراء والضراء، وسائر قسائم السكر والأرز والمازوت والبنزين والهجرة والإقامة والبطالة والعمل!

ولما كانت (زميلتنا المغردة) على نعومة وجاذبية، تجعلان من الإمساك عن النظر والتحدث إليها، صياماً قلَّما يُحبذه عارف بالله، أو ينتظر ثوابه مؤمن بقضائه وقدره. فقد دار الحديث (رغم سيطرة الأجواء الكابوسية التي يمر بها السوريون، وربما بسببها) حول أدبيات الصيام: شروطه وأصوله وحدوده وأنواعه ومعانيه ومناهيه وأسبابه وأهدافه…

وحرصاً على احترام وقتكم ومشاعركم وثقافتكم، يكتفي محسوبكم الفقير لله، بأن يعرض لكم، بضع نقاط فقط من حديثنا، نالت إجماع أعضاء تشكيلتنا في العمل، صائمين ومفطرين.

السيدتان: «وهلة أولى» و«نظرة سريعة»

اللهم إني صائم.. جملة حفظناها عن ظهر قلب، لكثرة تداولها وتنقّلها على الألسن، في شهر رمضان من كل عام. مِن الناس مَن يقولها، مُصَعِّراً خدّه، كمن يوفي عنا ديوننا، فيما نحن في إسرافنا لاهون.. منهم من يقولها رافعاً منخريه، وكأنه يجود، بجوعه وعطشه، على الخالق والخليقة، أو يحسن عليهم بخاصّ ماله!

قلة قليلة، الذين يرددون هذه الجملة، متوجهين بها خالصة إلى الله سبحانه، بمعناها الحقيقي (الاستغفار) وبزمانها ومكانها اللازمين.

(اللهمَّ إني صائم) هذه، تقال بأشكال، وبنوايا متباينة: يعلنها المسلم صادقاً، وقد يكون كاذباً.. يقولها مؤمناً، وقد يكون كافراً.. غاضباً، وقد يكون راضياً.. عادلاً، وقد يكون ظالماً.. ويجهر بها مدافعاً، وقد يكون معتدياً.. وقد.. وقد..

للوهلة الأولى والنظرة السريعة، يتبادر لنا أن المفارقات التي تشتملها الحياة وينطوي عليها البشر، في غير مجال ودرجة ومقال هي السبب في تضارب وتباين بل وتناقض الأهداف والمقاصد المخفية وراء رفع العقيرة بتلك الجملة.

بيد أن القراءة الموضوعية، المتأنية والعميقة للأشياء، في واقعها ومواقعها، ودوافعها القريبة منها والبعيدة، سرعان ماتسحب بساط الحكم، من تحت أقدام السيدتين المخاتلتين، مدام (وهلة أولى) ومدام (نظرة سريعة). عازية اختلاف معظم حقيقة القول من شخص لآخر، لا سيما من حيث جذوره وروافعه، إلى الطبيعة الشمولية، ذات الفكر الواحد والرأي الواحد، لأكثر الأنظمة السياسية في دولنا العربية، التي تتصرف بمقدرات مجتمعاتنا.

فهي، أي الأنظمة، لا تقدم أية فائدة، من الغنى والتنوع والتعدد، العقائدي والعرقي والإثني والديني الذي يطرّز هذه المجتمعات. بل لا تقرّ به ولا تعترف، وإن فعلت فجزئياً، وقتياً، إسمياً، وعلى استحياء. ما يؤدي بقطّاع كبير من رعاياها، بمن فيهم المسلمين، إلى الانكفاء والانغلاق والكبت، وبالتالي إلى الكذب وإخفاء الحقيقة،  في ظل مسايرة التيار ظاهرياً وممالئة النظام.

السيد صوم

إذا كان من معاني الصوم، التوقف عن تناول الطعام والشراب، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والامتناع عن ارتكاب الكبائر وفعل الصغائر، طوال شهر رمضان من كل سنة. بهدف أن يتذكر الأثرياء المسرفون، خلال شهر فحسب، أبناء جلدتهم المعوزين مدى الدهر ويشعرون بشيئ من مقاساتهم.

فكم يا ترى قد خَلَّفَتْ لنا، هذه الحرب غير الموصوفة، التي تُشَنُّ على سورية، من أربع جهات الأرض وأبشع جهات التآمر؟..

كم خَلَّفتْ من معوزين معدمين ومعدومين؟..

من قَطْعِ أرزاق وأعناق؟

فهل تَذَكَّرنا و شعرنا ؟!

واذا كان الوجه الآخر، والوجه الأهم، للسيد (صوم)  هو صون النفس عن المُنكرات والمُحرمات، وصون الوطن والمواطن، على مدار الزمن، عن الاغتصاب والتدنيس. فكم كانت باهضة وقاصمة تَرِكةُ هذه الحرب ال (…)، التي ما انفكَّتْ، منذ ما يزيد على أربع سنوات ونصف السنة، تجتاح سورية، أرضاً وتاريخاً وتُراثاً، وشعباً: صائمين وفاطرين؟..

كم خَرَّقتْ واخترقتْ ودنَّستْ؟..

فهلاَّ تَذَكَّرنا.. و شعرنا.. واعتبرنا؟!.

العدد 1140 - 22/01/2025