«الورطة» العربية الخالصة الرواية الأولى الرواية الأخيرة والدوران في المربع الأول

ثمة (ورطة) يعدُّها الكثيرون خاصة عربية ، أي موجودة في ثقافتنا العربية فقط، وهي أن يُعرف الكاتب، وغالباً الكاتب- الروائي، بعملٍ واحد يبني عليه (مجده) الإبداعي بكامله، بحيث يأتي كل مايكتبه بعده تنويعاً عليه، أو صدى له، وغالباً تكون الرواية الأولى، أو العمل الكتابي الأول، ذلك أن الكثير من المبدعين في مجالات ومناحي الإبداع الأخرى يقعون في مثل هذه (الورطة)، وإن كانت غالبة في الرواية، يصير كبيضة الديك كما يطلقون على هذه الحالة. وإذا ماأردنا عرض عدد من الأسماء الروائية العربية، فسنجهد الذاكرة كثيراً لجعلها تتذكر أكثر من عمل اشتهر به الكاتب، أو أشهرهُ لافرق.

 

قصيدة واحدة

ولو رجعنا إلى ماضي هذه الإشكالية، فإنّ الكثير من كبار شعراء العربية، ومنذ ماقبل الإسلام، قد لا يُعرفون سوى بقصيدة واحدة، و..قد لايُعرف الشاعر سوى ببيتٍ شعري واحد من قصيدة، أي حتى إنه لايُعرف بقصيدة كاملة، وليس بالضرورة أن يكون هذا البيت هو أقوى، أو أفضل ماكتب، حتى ليبدو مثل هذا العمل كمن وضع حساباً في المصرف يصرف منه طول الوقت دون أن يضيف عليه شيئاً. وقلة من الأدباء من نجا، أو وجد مسلكاً للنفاذ من عبء، أو تأثير هذه (البيضة)، وأن لايكون ديكاً ولابيضة، وإنما الدجاجة التي تبيض ذهباً في كل مرة..لكن مثل هذا الكاتب كان دائماً نادراً..على سبيل المثال ليس من رواية تصدر لفواز حداد وتمر دون أن تُحدث سجالاً، أو جدلاً ما. فحداد ليس من أصحاب الرواية الواحدة، التي ينوّع عليها كامل تجربته الإبداعية. هكذا كان في مايقارب (دستة) روايات أصدرها إلى اليوم. ومثله  في هذا الشأن أيضاً الروائي الراحل هاني الراهب، منذ روايته (الوباء) حتى الرواية الأخيرة (ورسمت خطاً في الرمال)، وسعدالله ونوس في ماكتبه من مسرحيات يشترك مع السابقين في هذا التفرد.

 

إثارة جدل

إذاً هل الأمر يكمن هنا في هذه النقطة تحديداً، أي فيما يثيره العمل الإبداعي من جدل؟ ومن ثمّ فالكاتب الذكي هو من يوزّع (جدله) على كل مايكتب في كل مرة، وليس على عملٍ واحد فقط، وهل لأجل هذا الجدل الذي يثيره العمل الإبداعي من سجالات كانت أن اشتهرت روايات لكاتب دون أخرى، فصار البعض  يفتعل مثل هذه الإثارة، والسجالات، ليحقق ماحققه في عمله الأول؟ ومن هنا أيضاً، كان أن انتبه بعض الكتّاب إلى هذا الأمر؟ فعندما وجدوا أنه ليس بإمكانهم تقديم العمل الذي يُثير السجالات والجدل، أن كفوا عن الكتابة تماماً، واكتفوا بما قدمه لهم (وحيدهم) الإبداعي..؟!وهل جاء أمر أن يحمل العمل الأول مهمة وضع الكاتب في مصاف المبدعين، أن يضع صاحبه كل خبرته، وكامل التجربة، وبمنتهى التقنية فيه، ثمُ كان أن أفلس الكاتب، فلم يعد لديه مايقدمه بعد ذلك من كتابة، على الأقل تضاهي العمل الأول، وكان عليه أن يعتاش عليه إلى مالانهاية..؟!

 

الأرض البكر

في حواراتي مع الكثير من الكتاب بهذا الشأن، كان لدى الكثير منهم تبريرات، ووجهات نظر، منها طليعية العمل، وحراثته في الأرض البكر، التي لم تكن معروفة سابقاً، فكان أن طغى على بقية أعمال الكاتب الأخرى. ومن هنا يفسر جمال الغيطاني، على سبيل المثال، طغيان (الزيني بركات) على كل ما كتب..أو أنّ كل كاتب لديه هم رئيسي يُنوع عليه في كل مايكتب، أو أنها (لعبة) النقد الذي يسلط الأضواء الكاشفة على عمل واحد للكاتب لسببٍ، أو لآخر، ويتجاهل كل مايكتبه فيما بعد لسببٍ، أو لآخر أيضاً..!

العدد 1140 - 22/01/2025