كرام الناس يولدون مرتين
غيمة محملة بالثلج، وحبلى بالمطر، قد تكون سعيدة، لكن سعادتها لا تكتمل، وهدفها لا يتحقق إلا إذا منحت ثلوجها ومطرها لمن حولها، وبذلك تكون قد ولدت من جديد. هكذا هم كرام الناس.
لماذا وجدت السماء؟
يقال: من يريد الوصول إلى الهدف المحدد والغاية المنشودة ينبغي له أن يسلك طريقاً واحداً، لا طرقاً ملتوية ومتعددة.
والإنسان الشريف، العاقل والحكيم ينبغي أن تمتد يده ونظره إلى البعيد البعيد، وإلا لماذا وجدت السماء؟
أغنية
إذا كان الثوب وسخاً، ورائحته عطنة، هل يشفع له من يرتديه ولو صعد به إلى أعلى الأماكن؟
وإذا غنى الطير أغنيته فوق قمة جبل، أو حملها ونزل ليصدح بها من أعماق الوادي، فعلى ماذا ينبغي علينا أن نحكم؟
أعلى المكان الذي غناها منه، أم على جمال الأغنية، وسحر ألحانها، وصدق كلماتها وبلاغتها؟
لماذا يقاس الإنسان في بلادنا من حيث المكان الذي يقف، لا من حيث الكلام الذي يقول؟!
أليس بيننا يا شباب ويا جماعة الخير ويا غانمين من هم دون مستوى الأمكنة التي يقفون فوقها، وأقل وأخفض من الكراسي التي يجلسون عليها؟
أليس بيننا من هم دون وزن التنك وقيمة الخردة؟! ومع ذلك نراهم يتصدرون صدور المضافات وواجهات المناسبات، لا لشيء إلا لأن جدّهم كان فلاناً.. أو لقرابتهم بفلان.. أما هم فلم يتعبوا في حياتهم لتكوين سمعة شخصية لهم وصيت حسن، همهم كيف ستكون تسريحة شعرهم وتحديد ذقونهم ولون بدلاتهم وكيفية عقدة كرافاتهم.
ألا يشبهون التماثيل الحجرية، وقطع الأثاث المعروضة في واجهات المحلات التجارية وصالات البيع؟
وليس كل من وقف مع خيار الناس صار منهم، كما أن التنك لن تزيد قيمته إذا وضع بين صفائح الذهب، وقطع العاج.
نار ونور
كثيرون من الفلاسفة والحكماء والأدباء والفنانين لا يفرحون إلا بقدر ما يتألمون، فالذي يعاني في رسم لوحة، أو كتابة قصيدة رائعة، أو إبداع رواية عظيمة، لايقل شأناً ورفعة وكرامة عن طبيب بارع ومهندس مبدع، ومدرس مخلص.
وإن الألم المفيد يعطينا حسب اجتهادنا ومعرفتنا، فالذي يأكل عنقود عنب من كرمه الذي نظفه من الحشرات والعقارب، وحرثه ورعاه، وسهر عليه، قد يختلف طعم ذاك العنقود عن ذاك الذي يقدم له هدية.
وأصحاب الأوجاع المثمرة كالمصابيح المنيرة، يحترقون ويتوهجون من أجل إضاءة عتمة وشق طريق، إنهم يحترقون، وإن كنا لا نرى على وجوههم آثار الحرق وفوق أصابعهم علامات وشم الجمر، فلا أحد يستطيع رؤية التفاعلات الرهيبة التي تحدث فوق سطح الشمس، إننا فقط نشعر بحرارتها اللطيفة، ونرى ألوانها القزحية الجميلة.
ألا يشبه العظماء شمسنا العظيمة:
خلفها نار..
وأمامها نور..؟!