المواطن لم يلمس دعماً في «عقلنة الدعم»!
هـل من تحرك حكومي؟
تتوالى قرارات رفع الأسعار التي تصدرها الحكومة بين يوم وآخر وبين ليلة وضحاها.. طبعاً آخرها قرار رفع أسعار الغاز والمازوت.. ويخشى المواطن أن (تفرط مسبحة) القرارات الحكومية لتشمل أيضاً الخبر والبنزين.
طبعاً القرارات التي صدرت لم تكن إلا تكملة لقرارات أخرى صدرت بحق المواد نفسها التي تمس معظم شرائح المجتمع، فالغاز لا يمكن أن يستغني عنه أي مواطن، سواء أكان بائع بسطة أم وزيراً أم مديراً عاماً، أم دكتوراً.. وكذلك الأمر بالنسبة للمازوت وخاصة أننا دخلنا في فصل الشتاء، وتثبت الأرقام التي صدرت ونشرت في العديد من المواقع والصحف المحلية أن المواطن لم يعد بمقدوره شراء المازوت للتدفئة لأن سعره أصبح غير منطقي مقارنة مع دخله حتى قام برفض تعبئة المازوت، واتجه إلى البـــــــــــدائل الأخرى التي لم تسلم هي أيضاً من تجارة الأزمات مثل الحطب..
لا شك أن تأثير القرارات الخاصة برفع سعري المازوت والغاز لمسناه مباشرة وانعكست فوراً على خدمة المواصلات وعلى المطاعم والسلع والمواد.. ووفقاً للتوقعات فإن القرارات ستشمل أيضاً الخبز الذي كان خطاً أحمر، وكذلك الأمر بالنسبة للبنزين، أي أن الحكومة تتخلى بشكل تدريجي عن دعمها لهذه السلع بذريعة (عقلنة الدعم)، وتوجيهه إلى الفئات الأكثر احتياجاً.. وهنا نسأل:
رُفعت أسعار المازوت والغاز والبنزين وغيرها من المواد الأساسية للمواطن، ولكن المواطن لم يلمس إلى الآن عقلنة في الدعم وتوجيهاً له.. فدخل المستهلك لم يرتفع فليس جميع المستهلكين والمواطنين هم من موظفي القطاع العام، بل هناك نسبة كبيرة جداً لا يعملون ونسبة كبيرة جداً يعملون في القطاع الخاص والأعمال الحرة الأخرى مثل المهن الحرفية والورشات الصغيرة والبسطات وغيرها.. ولم يشعر أيضاً المستهلك بتحسن الخدمات التي تقدم له مقابل رفع الدعم، فهل تحسن على سبيل المثال توزيع المازوت على المواطنين رغم رفع سعره؟ وهل تحسنت الكهرباء كما يجب؟.. وهل تحسنت المواصلات وخاصة في الأرياف؟! وهل تحسنت الرقابة على الأسواق؟ وهل وهل؟.. نحن لسنا سلبيين ولكن نود الإشارة إلى مكان وجود الخلل ونتكلم بلسان الواقع.
القرارات صدرت وفق خطة حكومية موضوعة ربما.. ولكن المواطن يحتاج إلى تعويض، ففي الكثير من دول العالم هناك تعويض يسمى تعويض غلاء المعيشة، بحيث لا يشمل الموظفين في القطاع العام فقط بل يشمل جميع المواطنين، المواطن يحتاج إلى أن يلمس أن هناك حقاً عقلنة في الدعم.. فهو قد أصيب بالجنون من وراء هذه العقلنة، يحتاج المواطن أن يلمس بأن الحكومة قامت بتوجيه الدعم الذي سحب منه لتلبية احتياجاته الأخرى، فلماذا الحكومة لا تقوم بتخصيص الأسر وخاصة الفقيرة وذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل بسلل غذائية شهرية تتضمن أهم المواد الغذائية فيها وبسعر رمزي مقابل الدعم الذي ترفعه يوماً بعد يوم من المشتقات النفطية وحوامل الطاقة.. وخاصة إذا علمنا أنه لا شيء غريباً سيطرأ على أسواقنا نتيجة لهذه القرارات أو غيرها، فقد اعتادت أسواقنا على هذا الأمر، ولكن الشيء الذي سيتغير طبعاً هو زيادة في الجمود.. ضعف في القدرة الشرائية أكثر، وارتفاعاً في مختلف أسعار المواد والخدمات المقدمة للمواطن.. وهذا كله لن يخدم الصناعة الوطنية أو الاقتصاد الوطني ولكن في الوقت نفسه فإن رفع الدعم عن حوامل الطاقة سيحقق وفراً للخزينة العامة، ولا شك أن هناك تكاليف كبيرة تواجه الخزينة العامة نتيجة الحرب الظالمة التي تعاني منها سورية منذ سنوات خمس، وهذا أدى إلى استنزاف اقتصادها بشكل كبير. ونحن لا نلوم الحكومة في عقلنة الدعم ولا في توجيهه، ولكن هل حقاً يتم عقلنة الدعم؟ هل حصلت المصانع الوطنية على الدعم الكافي لها مثلاً هل حصلت على أسعار محروقات مخفضة أو كهرباء بأسعار مخفضة وبشكل مستمر لزيادة عمليات الإنتاج أكثر، وبالتالي طرح سلع بأسعار رخيصة مما سيؤدي إلى كسر جمود السوق وزيادة المبيعات في الأسواق، وبالتالي زيادة دوران عجلة الإنتاج وإقلاع المصانع وفتح أسواق خارجية للمنتجات الوطنية وجلب القطع الأجنبي للخزينة العامة؟! وهل حصلت الورش الصغيرة والمتوسطة على الدعم اللازم لتشجيع إنتاجها أكثر.. هنا يكون توجيه الدعم وعقلنته.. نحن لا نقول أن ندعم الصناعي بشخصه أو التاجر وننسى الطبقات الأخرى الأكثر احتياجاً للدعم مثل العاطلين عن العمل، بل يجب دعم هذه الطبقات بشتى الأشكال وأولها هو رفد السوق بفرص عمل للتخفيف من البطالة وزيادة الإنتاج.. الوفر الذي يجب أن تحققه الحكومة من رفع أسعار خدماتها يجب أن تتجه به إلى افتتاح مصانع جديدة وتوظيف الشباب والمتعلمين والخريجين وتنظيم أسواق خارجية ومعارض ومراكز تجارية في الخارج بالتعاون مع القطاع الخاص.. هكذا يمكن أن نرفع الدعم، وبالمقابل يحصل المواطن على دعم حقيقي من خلال توظيفه وزيادة مدخوله وتحسن حركة الإنتاج والقدرة الشرائية وتقوية الليرة السورية أكثر.
حتى الآن نؤكد أن المواطن لم يلمس أي دعم حكومي له ولمتطلبات معيشته، فهو مرهق ودخله يزداد إرهاقاً، فأسطوانة الغاز حاليا ستكلفه ألفي ليرة شهرياً هذا كحد أدنى أي أنه في حال كان موظفاً سيدفع شهرياً ألفي ليرة من راتبه للغاز فقط.. ولا ننسى أن هذه القرارات جاءت مكملة لقرارات حكومية سابقة شملت رفع أسعار العديد من الخدمات مثل الكهرباء والاتصالات والمياه، ولا يمكن أن ننسى أن متوسط الرواتب حاليا هي 25 ألف ليرة شهرياً فقط، أي أن الفجوة بين الدخل والأسعار تكبر يوميا بعد يوم.. ولا ننسى أن سعر الصرف أنهك دخل المواطن، فهل درس الفريق الاقتصادي في الحكومة كل هذه التحديات التي تواجه المواطن؟ هل درس أن شريحة كبيرة من المواطنين يقطنون في الإيجارات، وأن معظم دخلهم يذهب أجرة لشقة أو غرفة شهرياً، وهل درس أن التعليم في سورية أصبح مُنْهِكاً لكثير من الأسر سواء من حيث تكاليف الدراسة والمواصلات وتكاليف التسجيل بدءاً من الروضات وانتهاء بالجامعات.. نعتقد أنه حان الوقت لتحرك حكومي عاجل لصالح دخل المواطن.. فهل ستتحرك بقرارات اجتماعية لصالحه؟.. نحن في حرب ونحن في ظروف اقتصادية صعبة لا يمكن إنكارها.. ولكن نأمل أن يكون هناك عقلنة في الترشيد الحكومي أيضاً.. لا أن يعاني المواطن وحده من براثن الحرب الجائرة على سورية.. لا أن نرى أن هناك المليارات تذهب هدراً ما بين الفساد والترهل الإداري والسيارات الحكومية والمكاتب الفارهة وفرشها.. والمواطن وذوو الدخل المحدود يقبعون تحت وطأة الدين والعمل لمدة 24 ساعة يومياً لتلبية احتياجات أسرهم.. نحتاج إلى عقلنة أيضاً في مكافحة هذه الأمور..