أولاد ضرة الحـكومة
لقد اعتدت بحكم الوراثة والتربية، وبحكم أسباب أخرى لا يمكنني ذكرها الآن لأسباب أمنية أن أنظر إلى كل عمل تقوم به الحكومة على أنه قمة الحكمة، وذروة الإبداع، ولا يمكن أن يأتيه الباطل، لاعتقادي أن من نفذه هو شخص نزيه وصاحب خبرة وثقة، ولا همَّ له إلا مصلحتنا، وكنت أؤمن أن دور الحكومة هو دور رعاية أمومية من حيث الاهتمام والحرص، حتى لو قست علينا أحياناً. لكن فجأة وكما يحدث في برامج الأطفال التي كنا نتابعها في الزمن الماضي، اكتشفت أن من كنت أعتبرها أماً هي زوجة أب فحسب! هل راودكم هذا الشعور يوماً تجاه الحكومة؟ وهل خطر لكم يوماً أنكم قد تكونون في الحقيقة أولاد (الشغالة)؟
أنا حقيقة أصبح يتملكني هذا الشعور لدرجة بدأت أفكر فيها بالانطلاق في رحلة للبحث عن أمي الحقيقية، كما فعلت (ساندي بيل) وقبلها (ريمي) وغيرهم من أبطال طفولتنا! أرجو ألا تعتقدوا أني من هؤلاء الخياليين الذين نصادفهم في كل مكان، وترى الواحد منهم يتحسر كلما رأى سيارة فارهة أو بيتاً فخماً، فيتساءل مستنكراً: (وأنا ماذا ينقصني لأكون مثل هؤلاء، وأمتلك مثل ما يمتلكون؟) أنا فعلاً لا أفكر هكذا، لأني واقعية، وأعرف أن هؤلاء القلة هم أبناء الست، بينما الآخرون هم (أولاد الشغالة) حسب تعبير المرحوم سعيد صالح، ولكن ما يغيظني هو أن تلك الخالة تحاول أحياناً تحسين صورتها، فتتظاهر أنها ترغب في تقديم شيء مفيد لنا، ثم نكتشف أنها جاءت لتكحلنا فأعمتنا! أتريدون مثلاً؟ قبل سنين تذكرت خالتنا أن نصف أولاد ضرتها من العاملين، وأن هؤلاء العاملين بحاجة إلى قانون جديد ينظم أوضاعهم، ونحن الغلابة وأصحاب النيات الحسنة انتظرنا هذا القانون بفارغ الصبر، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لقد صدر قانون يجعلنا نترحم على القانون القديم! مثلاً، في هذا القانون صار الولد الرابع الذي تنجبه الأم العاملة يعامل كأنه ولد غير شرعي! فهو (خارج التغطية)، فأمه لا يحق لها إجازة أمومة من أجله، وإنما تستحق العقاب، لماذا؟ لأن الخالة غير قادرة على تحمل عبء هؤلاء الأولاد الزائدين عن الحاجة، لذا رأت أن من الأفضل مكافحتهم فور وصولهم إلى هذه الدنيا… حسناً لقد اقتنعنا بوجهة نظرها، لكن ما جرى بعد ذلك أننا رأينا حرصها على أولاد الشغالة، وذلك حين كبروا وبدؤوا يطفشون! وفجأة تذكرت حسناتهم وميزاتهم، ثم صارت تفكر بتحسين أوضاع من بقي منهم قبل أن يلحقوا بإخوتهم، وقالت إنها ستعدل أوضاع أصحاب الشهادات، فتفاءل هؤلاء رغم أنهم بلغوا من العمر حداً جعلهم لا يفكرون حالياً إلا بحسن الختام سواء في الحياة أو في الوظيفة، ولكنهم قالوا: (لا بأس، نستطيع على الأقل أن نقابل جارنا عزرائيل ونحن بالفئة الأولى) لكن المشكلة أن القانون الذي سنّته الخالة، لا يتيح لهؤلاء المتفائلين تعديل شهاداتهم، لسبب وجيه، وهو أنهم قد حصلوا عليها قبل أن يدخلوا نعيم الوظيفة، أي أنهم كانوا راضين وقتذاك بأن يعيّنوا عمالاً ومستخدمين وكتبة، فلماذا غيروا رأيهم الآن؟ ممنوع تغيير الرأي وممنوع تغيير الوضع! أما شهادتك فهي منتهية الصلاحية، (يعني باختصار) هي فاسدة مثل اللحوم والأجبان التي لا تضبطها حماية المستهلك… هذا هو الموجود، فإن أعجبك الوضع، أهلاً وسهلاً، وإن لم يعجبك، مع السلامة، أمامك البحر، وتستطيع أن ترمي نفسك به، إما أن تغرق، فنقول (الله يرحمو) وإما أن تصل إلى مكان آخر، فنقول (يا ضيعانو شو كان منيح بزمانو وشو كانت شهاداتو مهمة ومفيدة للمجتمع).
في النهاية أنا لا أريد الحديث عن تفاصيل أخرى، لأني أعلم أن لكل منكم ألف مثال على معاناته، ثم إني لا أريد أن أثير مشاكل عائلية في البيت، فمهما يكن تبقى خالتنا وزوجة والدنا، ويكفي أنها ربتنا وأطعمتنا الخبز والجظ مظ، فهي باختصار بنت حلال، ولا يوجد مبرر لمقارنتها بخالة بياض الثلج أو سندريلا، وحتى لو فعلت مثلهما فإن ذلك من أجل مصلحتنا…