رغيف للحكومة.. يا محسنين!
لا بد أنكم قد سمعتم عن مشكلة نفسية اسمها (الرهاب) يعاني منها بعض الناس،ولها أنواع متعددة، كرهاب الأماكن المرتفعة، أو الأماكن المغلقة وغير ذلك… أما أنا فعندي بصراحة رهاب فريد من نوعه، اسمه (رهاب وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك)، وتظهر هذه الحالة لدي كلما تابعت الشريط الإخباري أسفل شاشة التلفزيون، فحين يمر خبر يبدأ بعبارة: (وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك… الخ) أضع يدي على قلبي ويرتفع الضغط والسكري ويبدأ عندي الصداع، خشية أن يكون هناك زيادة في سعر مادة ما! إذ إني كما فهمت وفهم غيري من المواطنين الفهمانين أن هذه الوزارة وجدت لتؤدي وظيفة واحدة ومحددة، وهي أن تزف لنا بشرى رفع أسعار المازوت والخبز والغاز والبنزين،
وإذا أردنا أن نتكلم بضمير، فهذه هي الوزارة الوحيدة التي تؤدي وظيفتها المنوطة بها على أكمل وجه، وأمامكم الدليل: فمن ناحية هي قامت بتغيير كلمة (رفع سعر) واستخدمت كلمة (تعديل سعر)، لأنها تعلم أن الكلمة القديمة تؤدي إلى استفزاز مشاعرنا المرهفة، أما الكلمة الجديدة فهي كلمة علمية وحيادية، وتؤدي معنى مزدوجاً، إذ قد يظن المتفائل أن تعديل سعر مادة ما يعني تخفيضها! هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى فهي بارعة في اختيار الوقت المناسب للإعلان عن هذا التعديل الذي يأتي غالباً مساء الخميس، أو قبل عطلة الأعياد، ولا بد أن هناك حكمة من وراء ذلك، إذ إنها تعرف أن المواطن يشعر بالملل يوم الجمعة، لذا تقدم له فرصة لعقد احتفال عائلي مع زوجته وأولاده بهذه المناسبة والحديث عن مزايا هذا التعديل وأثره على تحسين حياتهم وحياة أحفادهم مستقبلاً، مع أن أغلبنا يتمنى أن يستطيع مشاركة زملائه في العمل الاحتفال بهذه المناسبة وهي طازجة، وذلك لنتمكن من تبادل التهاني والأمنيات، بل ربما فكرنا بالخروج في مسيرة شكر، وقمنا برفع الدعاء إلى الله أن يحفظ لنا الحكومة التي تفكر فينا ليل نهار، بل تضطر لقضاء سهرة الخميس في مواقع العمل لتتمكن من تقديم هذا الإنجاز لنا قبل صبيحة الجمعة، فنتناوله مع قهوة الصباح ومع صحن الفول!
وليس هذا فقط بل إنها قد سجلت براءة اختراع حين ابتكرت أسلوباً جديداً للتقشف، كأن تنقص من وزن جرة الغاز، أو تنقص عدد الأرغفة في ربطة الخبز من ثمانية إلى سبعة، وهو في النهاية مجرد رغيف لن يؤثر على المواطن، ولكن نقصه سيؤدي إلى رفع ميزانيتها، وتخفيض وزن المستهلك الذي ازداد في السنوات الأخيرة نتيجة إفراطه في تناول الخبز والسكر المدعومين، كما أننا لن ندقق في هذا الأمر لأننا سنعتبر هذا الرغيف بمثابة صدقة عن روح الزيادة التي لم نقبضها بعد! المهم أن هذه (العملية) تنجز دوماً دون تأخير، وتكون متوقعة رغم أن الحكومة تحب أن تعملها لنا على شكل مفاجأة، ولكن المشكلة أننا صرنا نفهم عليها (عالطاير)، فدون أن تخبرنا المنجمة الرسمية بذلك، نعرف أن هناك (تعديل) حين نفقد مادة ما من السوق أو تسوء نوعيتها، وحين يخرج علينا المسؤول في وسائل الإعلام ليحلف بالطلاق أن ليس هناك فكرة لرفع سعر المادة وأن كل ذلك ما هو إلا إشاعات، (إشاعات يا أختي إشاعات)، ثم يتحدث عن تكلفة الدعم، إذ لم يمض سوى أسبوع على تكذيب إشاعة رفع أسعار الخبز، حين ذاك قلنا جميعاً: (شكراً لكم وصلت الفكرة) وسرعان ما نفذت الفكرة…
ولا أدري لم يفعلون هذا ويحمّلون أنفسهم خطايا الكذب، وكأننا سنزعل منهم إذا عدّلوا سعر مادة ما، أو حتى كل المواد، ألا يستطيع المسؤول أن يقول إذا سئل عن هذا أن يقول مثلاً: والله لا أدري شيئاً عن الموضوع، اسألوا أبو سعيد (آذن الوزارة) فهو يعرف أكثر مني ما الذي يدبر هناك! أو أن يقول بأن كوكب زحل دخل في برج وزارته، وهذا سيؤدي إلى بعض القرارات المزعجة لكم، ولكن لا تحزنوا، إذ سرعان ما تعود كواكب السعد لتدخل في مدار الوزارة المنحوسة…