الخبز والماء والهواء النظيف
لم يعد الخبز من ضروريات الحياة وديمومتها، ويمكن للمواطن الكادح الذي لا يكاد يؤمن معيشة أسرته بأقل التكاليف، أن يخزن الخبز في معدته وليس تخزين القات في فمه كما يجري في اليمن (القتيل).ولم يعد المواطن يسمع فأغلق أذنيه.. ولم يعد يرى فأغمض عينيه.. ونسي لغته وقطع لسانه،وأصبح جسمه هزيلاً رغم أنه يملأ معدته ويحشوها بالبرغل المسلوق.. وغَدت الفلافل بالنسبة له وجبة دسمة ووليمة لذيذة في المناسبات الأممية والوطنية وفي أيام الفرح والحزن واليقظة والنوم.
ورغم حذقه وشدة ذكائه، فهو غير قادر على تحريف المفردات وتزويقها، فالكاميرات الخفية له بالمرصاد.. ورغم العتمة وانقطاع التيار الميمون نراه يخزّن النور كما في المثل القائل: (خبّئ قرشك الأبيض ليومك الأسود)، علماً أنه يقضي وقتاً طويلاً أمام الشاشة السوداء ينتظر بشغف ظهورها ملوّنة قبل موسيقا الأخبار والاستماع إلى صوت المذيع.. ويتبع كلام من قال: (لا تؤجل عمل اليوم إلى االغد فالغد يهتم بنفسه)، ويحاول أن يستعيد من ذاكرة أصبحت خلاياها نائمة، نتفاً من أخبار الأمس. وقد اعتاد على التفاصيل المملة من المراسلين والمذيعين خلال ساعات الليل الطوال..ولم يصب المواطن الشريف حتى الآن بالعشا الليلي، فزيت الإعانات جعله يحافظ على أدنى درجات الرؤية.. أما إذا احمرّت عيناه فبإمكانه استخدام قطرة مخصصة لترطيب العيون، خاصة إذا كان من الرواد الدائمين للفيس بوك..وليس من عاداته وأخلاقه أن يحسد الذين (تملينوا وتمليروا) وأصبحوا من أغنى الأغنياء في سورية، والذين يسعون جاهدين إلى استمرار الأزمة لأنها البقرة الحلوب التي تدرّ عليهم الدولارات والمليارات. فبسبب الأزمة وتأثيرها وانعكاسها على حياة المواطنين، وعدم تلبية حاجاتهم في ظل أزمة أصبح حلها يشكل عقماً سياسياً، أصبح هؤلاء بغنى عن الخبز، لأن موائدهم تكون عامرة بأشهى الأطعمة. فلا ماء ولا خبز ولا هواء مهما كان مجرثماً يستطيع أن يوقف حياة المواطن السوري، لأنه يتصف بالصبر والحكمة وتأييد قرارات ارتفاع الطاقة والخبز والغاز وجميع المواد والسلع المصنوعة في سورية والمستوردة باليورو والدولار..؟!
الخبز.. ولو كان من مخصصات كائنات أخرى تعيش على الأرض أو على سطح المريخ، فهو صديق عزيز للماء.. ولا يمكن عجن الدقيق دونه، ولا يمكن خبزه دون وجود الكهرباء أو المحروقات، فهما صديقان لا يمكن أن يتخليا أحدهما عن الآخر.. أما الهواء النظيف يا أصدقاء، فلم يعد المواطن بحاجة إليه، بسبب المناعة التي اكتسبتها رئتاه وتزويد دمائه بفيتامين الحديد الذي يقوي عضلات الصبر وانتظار المزيد من حسنات الحكومة وكرمها،وما يضاف إلى روحه المسكونة بالأمل من روائح حاويات القمامة في مدينة (جرمانا) مثلاً، أومن رائحة تعفّن جثث الإرهابيين.. ومن البارود والقذائف المتنوعة طيلة هذه السنوات.. ومن رائحة ارتفاع الأسعار الأكثر كراهية عدا حقد التجار بـ(المفرّق والجملة)، وأصحاب الدكاكين بذريعة ارتفاع أجور النقل، وأصحاب البسطات الملهوفين الذين تدربوا على النهش وعلى سياسة اللف والدوران..كل هؤلاء هم الذين ينغّصون حياة المواطنين..؟!