قصفة مردكوش

 إلى امرأة

جدّي، لم يكن له مثيل في زمانه..

وكذلك كان عمي..

ووالدي، مشهورٌ في المنطقة، كأول لعَّاب على المجوز..

كان في شبابه يمشي في الأعراس، أمام (المُجَوِّفين)(*) من ضيعة إلى ضيعة، من دون استراحة، حتى الهواء، كان يتنفسه أثناء العزف، ما يعرف بـ(القلبة) في اصطلاح العامة. فما العيب في قولها لي:

تجيد اللعب على الكلمات!

(وتأخذني التداعيات من أطراف ذاكرتي، صوب ملاذاتها، فيما صديقتي الناعمة – السيدة الطفلة – ما تزال تحدق في قسمات وجهي ونظرات عينيّ، علّها تنتشل منهما، ما ينبئها شيئاً عن سبب وجومي، أو ما يدور في خلدي):

وهل الأدب بحد ذاته، سوى لعبة ضبط ألوان الأحاسيس، على مفردات اللغة، ثم عزفها تقاسيم على أوتار الكلام..

وكذلك هو الأمر، في الرسم والنحت والموسيقا وغيرها من الفنون، مع اختلاف المادة المشغول عليها، كلماتٍ كانت.. ألواناً.. أوتاراً.. أو حجارة!

لئن كانت للمفردات، كما للناس يا سيدتي، أشكالها وأطوارها ومسارات حيواتها وأعمارها وخصوصياتها حتى. التي قد تتقارب أو تتشابه، في نقطة أو فاصلة ما، بيد أنها نادراً ما تتطابق، فإن مفردة (اللعب) هي من أكثر المفردات العربية جمالاً وطفولةً وبراءة.

ولما كان الإنسان، بعجره وبجره، قد سيّد نفسه بعد الخالق، على هذا الكون، ممارساً عسفه وظلمه وسوء صنيعه، على سائر الكائنات، بمن فيهم أبناء جلدته. فمن غير المستغرب منه، تغيير معنى هذه الكلمة أو تلك أو تحويره أو تزويره، ما يعتبره تطويراً لها وحقاً مكتسباً له.

لـ (اللعب) كما لغيره من الأفعال، أنواعه وألوانه وأهدافه في حياتنا:

اللعب على الحبال..

اللعب على الأفكار..

اللعب على الأحوال..

اللعب على الأوتار..

وإذا كان اللعب على العواطف والغرائز، لتحقيق مآرب ومكاسب دنيئة وغير مشروعة، لا فرق إن كان اللاعب فرداً، أو هيئةً أو تنظيماً أو دولة، هو أسوأ أنواع اللعب. فإن اللعب الذي يمارسه الإنسان في طفولته، هو أجمل أنواع اللعب قاطبة، لما فيه من عفوية، ولما يكتنفه من براءة وبياض سريرة.

أما لعب العشاق، فخير ما يصور ما فيه من براءة وشيطنة في آنٍ معاً، هو فن الشعر، أحد فنون اللعب على الكلام، الفن الذي حضرتني منه أبيات من قصيدة (قصفة مردكوش) لأمير الزجل رشيد نخلة، أسمعتها لمعشوقتي السمراء، في ختام تداعيات. وأقدمها لهواة الزجل واللعب الجميل، على اختلاف ألوانهن وألوانهم، في ختام مقالتي:

(كنّا زغار وبالهوا نبني عشوشْ

ونْباطح العليق ونلم الكبوشْ

سنّي بحدّ الأربتعش وسنّها

واثنينّا عشرة بساطة وخوش بوشْ

سنّي بحدّ الأربتعش وسنّها

ولا بان سنّي للغريب وسنّها

وْما في شريعة لعب إلا وسنّها

شي بالكلل عالرمل شي بصفّ لكعابْ

شي بنعرفو باللعب شي ما بنعرفوشْ

شي بالكلل عالرمل شي بصفّ لكعابْ

شي نعمّر قعاقير شي نجبل ترابْ

شي نصير بالميّ نطرطش بعضنا

وثيابنا غير للمسا ما بينشفوشْ

العدد 1140 - 22/01/2025