بانتظار القيامة
ما معنى قيامة السيد المسيح لو لم تدق المسامير في راحتيه؟ وأي مغزىً للقيامة لو لم يطعن بالرمح في خاصرته، ويشرب كأس الخل، ويكلل رأسه بالشوك؟!
ما دلالة أن يقول للص المصلوب على يمينه: اليوم، ستكون معي في ملكوت السموات؟!
ترى لو لم ينكره بطرس ثلاث مرات قبل صياح الديك، ولو لم يسلمه يهوذا بثلاثين من الفضة، هل كانت ستكتمل الموعظة، بأفقها المفتوح على القراءة والتأويل؟!
أي معنى للصليب لو لم يقل المصلوب: يا أبتِ اغفر لهم.. لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون؟!
كيف استقبلت المريمات يسوع بعد خروجه من القبر متعالياً على الظلمة ناشراً حوله النور والمحبة، داعياً إلى السلام والعدالة، مبشراً بمغفرة الخطايا؟!
ما كان يمكن أن تحصل القيامة لولا آلام الصليب وطريق الجلجلة، فالخطيئة الكبرى تحتاج إلى تضحية بحجمها، والحياة بعزة وكرامة، دونها كأس المنية. (اطلبوا الموت.. توهب لكم الحياة)!
القيامة نفي للموت، وتأكيد لانتصار الحياة، فالعنقاء نفضت عنها الغبار، وتموز عاد إلى الحياة، وأوزوريس لملمت أبعاض أوزيس، لكن جلجامش ما زال يبحث عن عشبة الخلود، ليحيي صديقه أنكيدو، ويعيد الحياة إليه.
القيامة صفح، والصفح لا يكتمل إلا مع الغفران، والغفران لا يستقيم إلا بالتسامح، والتسامح، لا يثمر إلا بالاعتراف بالخطأ والعودة إلى الحكمة ونبذ العنف واللجوء إلى سبل التفاهم وصولاً إلى التوافق… عندئذ سنذبح العجل المسمّن ونصرخ معاً مرددين: كان ضالاً فوجد.. كان ميتاً فعاش..! أيها التائهون الضالون والمضللون أينما كنتم، عودوا عن غيّكم، بانتظاركم قرابين الأرض!
***
من أجل قيامة جديدة، لنكن على قلب واحد، ولنعمل يداً بيد، جيشاً وشعباً، في سبيل وطن موحد حر سيد، فيه متسع لكل أبنائه، يشاركون مشاركة خلاقة في إعادة بنائه، إنساناً وشجراً وحجراً، وطناً يضمن كرامتهم، ويؤمن حقوقهم، في حياة إنسانية، تليق بما قدموه من عرق ودم وتضحية، وطن تتساوى فيه المرأة مع الرجل في الحقوق والواجبات، ويعاد فيه توزيع الثروة كل حسب موقعه من عملية الإنتاج، وطن يؤمن أبناؤه بالحوار، والتفاهم، الكل فيه أكبر من مجموع أجزائه، والجزء فيه، متفاعل مع الكل، مهما اختلفت وتنوعت الأجزاء المكونة.. وطن تسوده روح المواطنة، وتكافؤ الفرص، وسيادة القانون، والتشاركية، وتعمّه مناخات الحرية المسؤولة، والديمقراطية المتأصلة في وجدان أبنائه، وعياً وثقافة وممارسة.
القيامة لا تكون مع التخلف والجهل، فهي بحاجة ملحة وماسة إلى التسلح بالعلم وازدهار العقلانية، والانفتاح على منجزات الحضارة الإنسانية لوصل ما انقطع من أبهى صفحات الماضي، وتجاوز إحباطات الحاضر المؤلم، لصناعة مستقبل مضيء، يضع أسسه إنسانٌ متحرر من المصادرة والاستلاب، يسبح خارج بحر الاستهلاك وربوبية السوق، إنسان قد أُشبعت حاجاته المادية والمعنوية، على قدر عميق من الثقافة والمعرفة، يستطيع التمييز بين حقوقه المشروعة ومطالبه العادلة من جهة، وبين الإرهاب والهمجية من جهة ثانية، لا تأخذه المظاهر، ولا تحرّكه الشائعات، مؤمن بحقه في بناء وطن موحد سيد، ودولة مدنية ديمقراطية تعددية.