قراءة في تقرير العمل الدولي 2016
تنشر منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة في كل عام، تقريراً سنوياً يحدد التقديرات الدولية العامة لسوق العمل والبطالة في العالم، وعدداً من المؤشرات الاخرى. تقارير المنظمة وإن كانت ذات طابع ليبرالي إلا أنها تحمل الكثير من المعطيات الهامة. يوضح تقرير هذا العام أن نوعية العمل من حيث الجودة كان له تأثير مباشر على عمل الفئة الشابة لكن مع اختلافات إقليمية كبيرة، على سبيل المثال تعاني الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى من العمالة الفقيرة بنسبة 70٪، و الدول العربية 39٪ وفي جنوب آسيا 49٪. وعقبت السيدة ديبورا غرينفيلد نائبة مدير عام تخطيط السياسات لدى المنظمة، بأن التقرير يسلط الضوء أيضاً على وجود تفاوت كبير بين المرأة والرجل في سوق العمل. تصل معدلات مشاركة الإناث جنوب شرق آسيا 32.9% والدول العربية 32.3% وشمال إفريقيا 32.2% وهي نسب أقل من عمالة الشباب الذكور.
وقال المدير العام للمنظمة، غاي رايدر، في مؤتمر صحفي خلال تقديم التقرير، إن الاقتصاد العالمي لا ينتج عدداً كافياً من الوظائف بشكل يعادل الارتفاع في البطالة. كما وضح أن: (العمل في الوضع الهش يؤثر سلبياً على نوعية العمل). التقرير يأخذ بعين الاعتبار جودة العمل وتأثيره على معدلات الفقر في القوى العاملة. إن العمال يعملون ومع ذلك ما زالوا يقبعون تحت وطأة الفقر. والأرقام التي قدمها التقرير تشير إلى 327 مليون عامل يعيشون في فقر مدقع، إضافة إلى 434 مليون عامل يعيشون في فقر متوسط، و533 مليوناً على حافة الفقر. من المؤسف أن يكون العمل غير كاف للناس حول العالم للهروب من الفقر. هناك حوالي 1.5 مليار شخص تقريباً يعملون في ظل تلك الحالات الهشة، ويمثلون ما يعادل 46٪ من القوى العاملة العالمية، وهذه الأرقام في تزايد وليس العكس).
يشير التقرير أيضاً إلى أن عدد العاطلين عن العمل سيزداد نصف مليون عام 2016، وأنه سيستقر عام 2017 عند نسبة تقارب 30%. وكان قد أشار تقرير العام الماضي إلى ارتفاع ملحوظ في نسب البطالة في العالم العربي، وهذا يعتبر مقلقاً للغاية بالنسبة للشرق الأوسط. ويعود سبب ارتفاع البطالة في المنطقة العربية بشكل أساسي إلى تفاعل ثلاثة عناصر رئيسية هي الأزمات السياسية، وانعدام الاستقرار، والأزمة الاقتصادية العالمية وما تبعها من تراجع أسعار النفط. وقد عكس هبوط أسعار النفط تداعيات ملموسة على سوق العمل في المنطقة.
ويصف التقرير أوضاع العمل في العالم العربي بأنه إضافة إلى البطالة العالية، هناك مشكلة عميقة تتعلق بما سماه ستيفن توبين، وهو باحث رئيسي في منظمة العمل الدولية: (جودة العمل). يُظهر التقرير أن 40% من الشباب الفاعلين في سوق العمل يتقاضون أجراً لا يتجاوز 3.10 دولارات يومياً. يؤكد هذا المعيار أن الفقر لا يقاس فقط بنسبة البطالة، بل بجودة العمل، بمعنى أن هناك عمالاً يعملون بكد وتعب ولكنهم يعيشون تحت خط الفقر. بالنسبة لدول الخليج التي تتميز بعوائد مالية كبيرة منذ عقود، فمن غير المنطقي أن تعاني أزمات، لكن هي أيضاً تعاني من مشكلة البطالة خاصة عمل المرأة. وإذا كان تدهور أسعار التفط هو عامل حديث النشأة، إلا أن الاعتماد على هذا الدخل الوحيد تقريباً المتأتي من النفط جعلها تبتعد عن تنشيط اقتصادها، وكان الأجدى لهذه الدول تحفيز سياساتها الاقتصاد عبر تنويع مداخيلها.
ربما كان هناك خطأ سياسي، لكن بالتأكيد كان هناك خطأ اقتصادي. إن البرامج الاقتصادية للدول العربية كانت تفترض أن النمو يخلق بالضرورة فرص عمل، لكن الازمة الاقتصادية العالمية التي حصلت 2008 اكدت العكس. من هذا الخطأ نشأ أحد أهم عوامل اندلاع (الثورات) في تونس ومصر وسورية. مشكلة تحديد سياسات تحفيز النمو الاقتصادي ذلك أن السياسات الخاطئة لحكوماتها لم تربط تحفيز النمو الاقتصادي بأهداف اجتماعية طويلة الامد. وقد ناقشت جريدة (النور) عبر العديد من المقالات وانتقدت التوجه الليبرالي الصلف للحكومات السورية ما قبل الازمة.
لانشك اطلاقاً في أن الوضع السياسي والعسكري الحالي الذي تعيشه سورية يلقي بظلاله الثقيلة على سوق العمل، من تأجيل أصحاب الرساميل تشغيل استثماراتهم أو الهروب بها، إلى نشوء اقتصاد هامشي داخلي مرتبط بالأزمة، إلى ضعف الرقابة والمحاسبة، وتصرف مسؤولي القطاعات الحكومية بمقدرات مؤسساتهم بشكل شخصاني، وغيرها من العوامل الاخرى. لكن كل ذلك لا يمنع من السعي الدائم لدوائر القرار والجهات الأكاديمية والبحثية في سورية والتفكير العملاني والمنهجي في إيجاد الحلول لتجاوز أزمة سوق العمل وتخفيض نسبة البطالة ولو بالحد الأدنى منها.