مابين عقلنة الدعم والعقلنة بالدعم
لم يحظ مصطلح بطول فترة التداول والتطاول والتجاكر والعنف والتعنيف، وحتى لو أثر على غلاء سعر الرغيف، كما أخذ مصطلح الدعم في سورية الذي امتدّ من عام 2005 إلى 2014 ليتحول إلى أشكال وأفعال الغاية منها تطبيق مقررات مؤتمر واشنطن، بالإعلان والسير بمنحى إقصائي تهميشي تكويني بنيوي جديد، حتى ولو أدى ذلك إلى فيضانات الدم وكتل اللحم وتهديم البنيان وتدمير الإنسان، في تلاقي مصالح غير مسبوق من واشنطن عاصمة اللاحضارة واللا إنسانية بلد تجميع الغرائزيين عابدي المال ومعولمة الكون بما يحقق مصالح ركيزتها المالية المتماهية مع الصهيونية،
ومؤتمر واشنطن هذا دعا لتحرير التجارة العالمية وفق مبدأي (دعه يعمل دعه يمر) و(السوق تنظم نفسها).من أجل السيطرة المطلقة الاقتصادية على العالم بعد استكمال الإحاطة العسكرية وفق مبدأي المركز والإحاطة عبر المحيطات لتعطي الولايات المتحدة الأمريكية التفوق العسكري المطلق لبلدان مخترقة عبر أداوت تابعة يجمعها الركيزة الرأسمالية، ولا يمكن أن يفوز مشروعها المعولم اقتصادياً من دون سحب سيطرة الدول عن الإدارة الاقتصادية عبر الحكومات الوطنية وعبر قطاع عام يدار من مؤسسات قوية منضبطة ووفق قانون نافذ وفساد مسيطر عليه، وكذلك لا يمكن أن يُقبَل مشروعٌ كهذا وسط طبقات وسطى قوية منتشرة بالدول وتشكل حصناً حصيناً وطبقة اسمنت مسلح يصعب اختراقه، فلا بد من فرض ضرائب على هذه الطبقة وعلى فقراء البلد وتخفيض الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة، ولابد من ضرب الاقتصاد الحقيقي القائم على أمن غذائي محقق وصناعة متطورة تعفي البلد من الاستيراد، ولابد من إعاقة أي تطور اقتصادي يؤدي إلى استقلالية واستمرارية التنمية، فلابد من توريط البلدان بقروض من مؤسسات العولمة المدارة أمريكياً تصبح قنابل نووية موقوتة باللحظة المناسبة، وكانت الأدوات المكلفة بتنفيذ هذه الطلبات وما يفوقها بانتظار الإشارات المناسبة وفرض هذه البرامج تحت مرأى الجميع ولو أعترضت الأغلبية، ولو كانت النتائج مداخل لتدمير ممنهج ولسفك دماء بلا انتهاء.
ومن أجل السير بهذا البرنامج لابد من القضاء على الطبقة الوسطى ولا بد من تهجير السكان من أراضيهم وتركهم تعيش بلا أمل وبلا أي ضوابط للاستقرار جاهزين للتضليل واللعب بالعواطف لتشكيل عواصف، وكان الطريق لهذا المدخل هو اللعب بموضوع أسعار المحروقات وخاصة المازوت ورفعه بما ينعكس على كل نواحي الحياة، فكلنا يعرف أن هذه السلعة تؤثر على كل نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالتالي فرفع سعرها يسبب تهشيماً وفوضى تتحول لسياسة، وحصل ما توقعه كثيرون وارتفعت الأسعار وسيطر التضخم وهاجر ملايين أراضيهم الزراعية، وذلك وسط قرارات اتخذت، والمؤشرات الاقتصادية لا تستدعي أي إجراء مما تقتضيه حالات اقتصادية سلبية لا في حالات فوائض الميزان التجاري وطبقة وسطى مسيطرة وموازنة لا تحوي أي عجز، وأمن غذائي وانتعاش سياحي وانتعاش بالتحويلات وقروض خارجية معدومة وبطالة وفقر في المستويات الدنيا.
ولكن قوة حاملي المشروع تغلبت وجرى منع إصلاح القطاع العام وتخسيره، واللعب على موضوع رفع أسعار المحروقات بحجج سحب الدعم، أو توزيع الدعم لمستحقيه وصولاً إلى عقلنة الدعم! ولبعض التضليل لعبت لعب قذرة كدفع بدل نقدي أو توزيع قسائم أو تحديد كميات وكل ذلك للتضليل، وآخر الإبداعات كان مصطلح عقلنة الدعم علماً أنه لم يبق أي دعم، فأسعار المحروقات فاقت أسعارها في كل البلدان وفاقت التكلفة، وأصبح التضخم يوازي الآلاف بالمائة مترافقاً مع اللعب بسعر صرف الليرة ولم يعرف الشعب أي عقلنة لوليد غير موجود.. فعن أي دعم يتكلمون؟ لم يبقَ إلا دعم مخالفي القوانين والفاسدين وتجار الأزمة! ولم يبق أي سلع مدعومة سوى ما كان يعتبر خطاً أحمر ولُعب به أي رغيف الخبز، وأصبحت الأسعار فوق تحمل أغلب الشعب السوري، فالفقر تجاوز كل الحدود وتجاوز 90% وأصبح المواطن أسير لقمة العيش وغير قادر على تأمينها، فكيف لا وما كان قبل الأزمة تغير بشكل لا يتحمله العقل ولا الدخل؟!
فحسب المكتب المركزي للإحصاء كانت الأسرة المؤلفة من أب وأم وثلاثة أولاد بحاجة إلى 30 ألف ليرة شهرياً لتكون من عداد الطبقة الوسطى، وبعد التضخم الناجم عن رفع أسعار الوقود واللعب بالدولار أصبح التضخم يتجاوز الألف بالمائة وبعض السلع فوق ذلك، وأصبحت الأسرة بحاجة إلى نحو 250 ألف ليرة شهرياً في ظل متوسط أجر نحو 30- 35 ألف ليرة! وفي ظل أجور نقل ومواصلات تستهلك أكثر من 60 بالمئة من الأجر ولبعض الأسر البعيدة عن مراكز المناطق والمدن يتجاوز الأجر الشهري، ومن هنا كان على الحكومات المتعاقبة أن لا تفكر بعقلنة الدعم رغم عدم وجوده وإنما كان يجب تتعقلن بالدعم لإعادة التوازن للمجتمع الحاضن للمؤسسة العسكرية الضامنة للأمن والأمان والوحدة وبوصلة الحل الوطني المستقبلي، ورغم استقرار سعر صرف الدولار عند الـ300 ليرة عندما قوضت سلطة المركزي، ولكنه ما لبث أن تدخل عكس الواقع فتدخّل بشكل سلبي وعكسي بمبلغ 470 ليرة سورية ولحقة رفع أسعار الوقود!
إن العقلنة الحقيقية تقتضي التدخل المزدوج باتجاهين لرفع سوية معيشة أغلب المواطنين وإعادة الروح للقطاعات الإنتاجية ولزيادة التواصل الاجتماعي إحدى الأدوات المساعدة للحل السوري القادم، فكلفة إعادة ليتر المازوت لنحو 30 ليرة هي 450 مليون دولار، وسعر الصرف الحقيقي لا يتجاوز 250 ليرة سورية وفق برنامج حقيقي لدعم الليرة وليس اللعب خفية للحفاظ على السعر الحالي، وتأمين هذا المبلغ ليس صعباً في ظل تمويل استيراد السكر لشهرين ل3 تجار بلغت أرباحه 230 مليون دولار وحجم الأموال اللازمة لتمويل المهربات الشهرية 230 مليون دولار شهرياً، وإن لم تأخذ العقلنة الاتجاه الصحيح تصعب الحلول ويزداد انقسام المجتمع أفقياً نحو طبقتين طبقة تحت خط الفقر بكثير؟؟ وطبقة أثرياء تزاوج الأزمة والفساد في إنشائها، ويزداد الاحتقان والكره ولابد من تفريغ هذه الآلام والأحقاد بأسلوب عقلاني ينطلق من إمكانات البلد وظروفها الصعبة.
وكل ما ذكرنا من إمكانات تتضاعف في ظل متابعة حقيقية للضرائب ومراجعة للاستثمارات التي قدمت هبات لنحو 99 سنة أو أقل للمتنفذين، ومهما حاول دواعش الاقتصاد وأزلامهم فلن يصلوا إلى المرحلة التي يحلمون بها لتخلي المواطنين عن دعم المؤسسة العسكرية التي أبلت بلاءاً حسناً في الذود عن الوطن والحفاظ على تماسك البلد وحدوده، وأمل الأغلبية في العودة القوية لسوريتنا، إن تعقلنوا كسبوا وإن لم يكسبوا فلن يتنازل الشرفاء عن الدماء الغالية التي روت البلد بسبب الفكر الصهيوني الإمبريالي وأدواته الفاسدة.