الأسعار تأكل الرواتب المخصصة للعيش فقط.. والحل بطريقتين لا ثالثة لهما..
مثال حقيقي بالأرقام عن كيفية صرف الموظف لراتبه الشهري
ليس غريباً أن تجد حلاً لمعادلة رياضية متوازنة الجوانب لتكون النتيجة صحيحة ودقيقة، ولكن الغريب أن تجد معادلة غير منضبطة لتكون النتيجة غير متوقعة. فالمثل الشعبي القائل 1 + 1= 2 هو معادلة ليست بغريبة أو معقدة، وإجابتها واضحة وجلية، أما المعادلة التي تقول: 15 / 30 = – ؟ فهذه معادلة غير معروفة وغير دقيقة الإجابة.
المعادلة الأخيرة هي تعبير عن وسطي راتب الموظف في القطاع العام أو الخاص، مقسمة على عدد أيام الشهر. ولكن الإجابة غامضة، لأن الجانب الأول من المعادلة، وهو الراتب، لا يمكن تقسيمه على عدد 30 وهو عدد أيام الشهر، لأن الرقم الأول صغير جداً، ليقسم على الرقم الذي يشكل ضعفه، وهو عدد أيام الشهر. وبالتالي من الطبيعي أن تكون الإجابة مبهمة وسيسبقها بطبيعة الحال إشارة (ناقص).
وهذه المعادلة هي تعبير واضح عن معيشة الموظف ومدى معاناته الحقيقية، لكي يبقي راتبه صامداً لبلوغ يومه الثلاثين من الشهر، وهو يوم السعد والفرحة، لأنه سيعود راتبه وينشر من جديد.. ولكن ما إن تتخطى أوراق الروزنامة بضعة أيام، حتى تبدأ أيام التعاسة والشقاء والتقسيم والحسابات والجداول والدهاليز، في سبيل أن يبقى الراتب حياً، هذا في حال لم توافه المنية بعد أيام قليلة من بداية الشهر.
في حال أردنا أن نقف واقعية وقفة على رقم هذا الراتب والسبل التي يأخذها خلال أيام الشهر، فإننا سنقف على وقائع صادمة. فالموظف الذي راتبه 15 ألف ليرة، سيحسب كثيراً، لأن اليوم لديه يقف ب500 ليرة، ومبلغ 500 ليرة هذا سيُقسّم على عدد أفراد الأسرة، وبالطبع وفق احتياجاتهم اليومية.
نحن لن نختار سوى أسرة مكونة من أربعة أشخاص فقط، أي أنها أسرة مكونة من الموظف نفسه وزوجته غير الموظفة وولديهما، أحدهما رضيع والآخر في الصف الأول. وأعتقد أن هذا النمط من الأسر كثير في وقتنا الحالي، وهو الأكثر نسبة. ولنبدأ منذ أن يقبض الموظف راتبه وهو بداية الشهر، وقبل أن نبدأ نود الإشارة إلى أن النموذج الذي نأخذه هو واقعي وليس من الخيال، أي أن الأسرة التي نشير إليها وطريقة صرفها واقعية وحصلنا على تفاصيلها.
بالأرقام: سلسلة المصاريف بداية كل شهر..
الزوج بعد أن يقبض راتبه سيبدأ بتلبية احتياجات منزله من المواد الغذائية الأساسية وغيرها والمتمثلة ب: الخبز الزيت بنوعَيْه الرز السكر السمون الفروج اللحوم الغاز المازوت الحليب الفوط المواصلات الاتصالات فواتير الكهرباء والمياه والهاتف الشاي القهوة الألبان الزيتون البطاطا البندورة التفاح الكرمنتينا البيض المنظفات الأدوية الطبيب ليمون حامض ثوم بصل فول وبعض الخضراوات الأخرى الخاصة لإعداد الوجبات (الطبخ).
وفي حال قمنا بجمع أسعار هذه المواد، فإن الخبز سيكلفه شهرياً بشكل وسطي 450 ليرة في حال اشترى في كل يوم ربطة خبز بسعرها النظامي.. وبالطبع أسعارها الآن اختلفت في السوق السوداء وبلغت 300 ليرة في حلب، و75 ليرة في ريف دمشق.. أما الزيوت ففي حال استخدم الزيت النباتي من النوع الوسط، فإن سعر اللترين يصل إلى 350 ليرة. أما زيت الزيتون فيصل إلى 200 ليرة. السمنة وسطياً يحتاج إلى كيلو وسعره وسطياً 150 ليرة من النوع الوسط. الرز لن يحتاج فإنه يستخدم الرز التمويني وكذلك السكر في حال وجد في صالات المؤسسة العامة الاستهلاكية، أي لن نحسب هاتين المادتين. الفروج سعره وسطياً 450 ليرة وليأكل مرة واحدة فقط في الشهر. اللحوم ستكلفه 450 ليرة للحم العجل، أي أنه لم يستهلك كيلو بل أقل، إضافة إلى كيلو من السمك وسعره وسطياً 300 ليرة.. أما الغاز فهو يحتاج وسيطاً إلى أسطوانة شهرياً بسعر 450 ليرة، ولم نقل إنه يأتي بها من تجار الأزمات فيصل سعرها إلى 1200 ليرة وأكثر.. المازوت يحتاج إلى 1825 ليرة شهرياً في حال عبأ (طاسة) المازوت سعة 5 لترات كل يومين، وبالطبع لم نحسب (الطاسة) الخاصة بالاستحمام.. وبالطبع هذا بالنسبة لسعر المازوت النظامي، أما سعره لدى تجار الأزمات فهو 45 و60 ليرة للتر الواحد.
أما من الحليب فهو يحتاج إلى أربعة أكياس حليب، سعر كل واحد منها 500 ليرة، أي 2000 ليرة شهرياً. أما فوط الأطفال فهو يحتاج وسطياً إلى 1000 ليرة شهرياً. الاتصالات يحتاج وسطياً إلى 1000 ليرة.. أما المواصلات فهو يحتاج إلى 3000 آلاف ليرة في حال كان يسكن في ريف دمشق. فواتير الكهرباء يحتاج وسطياً إلى 400 ليرة مقسمة على شهرين، أي 200 ليرة شهرياً. أما الشاي فهو يحتاج إلى 150 ليرة شهرياً، والقهوة بحدود 200 ليرة شهرياً، والألبان بحدود كيلو ونصف وسعره لا يقل عن 180 ليرة.. أما الزيتون فهو يحتاج إلى كيلو وسطياً وسعره 150 ليرة. والتفاح يحتاج إلى 5 كيلوات وسعرها 200 ليرة، و5 كيلوات كرمنتينا وسعرها 150 ليرة.. أما البيض فإن سعر الصحن الواحد ارتفع ليصبح ب 315 ليرة فهو يحتاج إلى 1260 ليرة شهرياً، لأنه يستخدم صحناً كل أسبوع أي أربعة صحون بيض في الشهر.. المنظفات يحتاج منها إلى 1000 ليرة سورية شهرياً، أما الأدوية والطبيب فإنه يحتاج وسطياً إلى 1000 ليرة أيضاً، ويحتاج إلى كيلو ليمون حامض وسعره 35 ليرة، ويحتاج إلى ثوم وسعره 50 ليرة، ويحتاج إلى كيلو وبضع غرامات من البصل وسعره 50 ليرة، ويحتاج إلى كيلو فول مدمس وسعره 90 ليرة، ويحتاج أيضاً إلى بعض مواد الطبخ من الخضروات مثل اللوبياء والزهرة والباذنجان وغيرها بحدود 2000 ليرة شهرياً على أقل تقدير.
جوانب لم تذكر في جدولة المصاريف
إذاً المواد السابقة لا يمكن لأي أسرة أن تستغني عنها ولا تحتوي على أي مادة من مواد الرفاهية، فلم يشتر الموظف الموز أو المكسرات، كما أننا أغفلنا بعض الأمور مثل السكر والرز، لأن هاتين المادتين مقننتان، ولا تكلفان صاحب الأسرة كثيراً، وإن كان يحتاج إلى كيلو أو أكثر من السكر شهرياً.. وفي حال أراد الشراء فإنه سعره بلغ في السوق المحلية 80 ليرة. كما أننا لم نذكر بعض المواد الغذائية الأخرى مثل الزعتر والجبنة والعدس والبرغل. كما أننا لم نذكر الألبسة والأحذية وحالات الطوارئ ولم نذكر أي جانب لطفليه، سواء الألعاب أو التنزه.. ولم نذكر التدخين، فهناك الكثير من الأسر تعتبر مدخنة، ولم نذكر أنه اشترى بعض المشروبات مثل العصائر أو المياه الغازية، أو أنه اشتهى أن يأكل فروجاً مشوياً أو بروستداً، كما لم نذكر موسم المونة والأعياد والمدارس وغيرها والتي تحتاج إلى رواتب مضاعفة لراتبه الحالي.
إذاً يوجد الكثير من الجوانب لم نأت على ذكرها، واكتفينا بذكر الأساسيات فقط، أي السلع المدورة التي تستخدم شهرياً.. وهنا في حال جمعنا الأرقام السابقة فإن مجموعها هو 19040 ليرة، أي أن مجموع المواد السابقة يفوق راتبه ب 4040 ليرة.. وهنا لا بد للموظف أن يتقشف أكثر من التقشف المذكور ليستغني عن إحدى السلع الأساسية لكي يكفيه راتبه ويخرج بنهاية الشهر كما يقال (رأس برأس).
لذا فهو سيقوم بالاستغناء عن اللحوم الحمراء (العجل) والاكتفاء بالدجاج والسمك، كما أنه سيخفض كمية الفواكه، ومصروف اتصالاته، أي بمعنى يحتاج إلى معادلة رياضية ربما يعجز جهابذة المخططين الاقتصاديين عن حلها.
حلاّن لا ثالث لهما..
وهنا نصل إلى نتيجة مفادها أن وسطي الراتب الحالي لهذا الموظف لا يكفيه أن يعيش عيشة كريمة، لأنه في حال أراد أن يشتري أي سلعة زائدة عن السلع المذكورة أعلاه فإنه سيضطر إلى الدّين.. وهنا لا بد من تأكيد رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع العام والخاص، وردم الهوة الكبيرة بين الأسعار والأجور.
وكانت وزارة التجارة الداخلية قد تقدمت في أيلول الماضي باقتراح إلى الحكومة، يتضمن زيادة الرواتب والأجور للعاملين في القطاعين العام والخاص، ومستحقي الإعانات الاجتماعية، على أن تكون هذه الزيادة على شكل نسبة مئوية متحركة وفق مؤشر غلاء المعيشة حسب واقع تطور الأسعار زيادة أو نقصاناً.
وبالطبع فإن تنفيذ هذا الاقتراح بات ضرورياً، وخاصة مع ضعف القدرة الشرائية للمواطن واشتداد حرارة الأسعار، وخاصة أن شعار التجار حالياً بات (ارتفاع الدولار) حتى طال هذا الارتفاع البقدونس والبطاطا والبندورة والخيار، وبالطبع عدم المواءمة بين الأسعار والأجور، فإن ذلك من شأنه أن يقلل الطلب على المواد، وبالتالي انخفاض الإنتاج وحدوث التضخم، وهذا ما يحدث حالياً في أسواقنا المحلية.
لذا لا يوجد سوى حلين أمام المسؤولين والمخططين الاقتصاديين وهما: إما رفع الحد الأدنى للأجور، وإما خفض الأسعار بما يتلاءم والأجور.