أضواء على العدوان الثلاثي الفاشل
منذ أن تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من تحرير الغوطة الشرقية وطرد الإرهابيين منها، عاشت المنطقة حالة غير مسبوقة من التصعيد والتسخين، في ظل التهديدات الأمريكية والغربية بشن هجوم على سورية، وتضاعفت هذه التهديدات بعد رضوخ إرهابيي جيش الإسلام في دوما وخضوعهم للشروط السورية وبدء رحيلهم إلى جرابلس، وهذا ما أثار أكثر فأكثر غضب أمريكا وحلفائها وعملائها على الساحة العربية، فلجؤوا إلى ذريعة استخدام الجيش السوري في دوما للسلاح الكيماوي، وطرحوا هذا الأمر في عدة اجتماعات لمجلس الأمن الدولي، محاولين تحميل الحكومة السورية المسؤولية عن ذلك، ورافضين إجراء أي تحقيق دولي نزيه حول هذه المزاعم كما طرحت روسيا، علماً بأن الجانب الروسي أكد أن خبراء روساً دخلوا إلى دوما ولم يعثروا على أي أثر لمثل هذه المزاعم، حتى أن أطباء في مشفى دوما أكدوا أنه لم يصل إلى المشفى أي مصاب بأعراض تسمم كيماوي.
وبعد ساعات من استسلام قادة ما يسمى بجيش الإسلام وبدء خروجهم مع مسلحيهم من دوما، جاءت فبركة مسرحية الهجوم الكيماوي في دوما من قبل أصحاب (الخوذ البيضاء)، بدعم من دول إقليمية راعية للإرهاب، وذلك للانتقام من سورية، وراح الإعلام الأمريكي والفرنسي والبريطاني والسعودي والقطري والتركي يتباكى على المدنيين الذين قتلوا نتيجة استخدام هذا السلاح، وذلك في سياق حملة إعلامية شرسة لم تتوقف ليل نهار، مع عرض صور مزيفة لمصابين. كل ذلك من أجل التحريض على سورية وتشويه سمعتها أمام الرأي العام العالمي. هذا مع العلم بأن الجيش السوري لم يكن بحاجة إلى استخدام هذا السلاح الذي لا يمتلكه أصلاً.
إلى جانب هذه الحملة الإعلامية المعادية، كثرت التصريحات لمسؤولين غربيين تتهم الحكومة السورية باستخدام السلاح الكيماوي، وقد جاءت عبر تغريدات الرئيس الأمريكي ترامب وبعض وزرائه وعلى لسان مسؤولين غربيين كبار، خاصة مسؤولي بريطانيا وفرنسا.
تَبع ذلك بدء التحشيد العسكري الأمريكي والغربي من أساطيل وغواصات وحاملات طائرات وغير ذلك، وأثناء هذه الفترة اعتدت إسرائيل على مطار التيفور العسكري، كما دارت مواجهات جادة وشرسة في مجلس الأمن الدولي، من خلال إصرار مندوبي الدول المعادية لسورية على تحميل الدولة السورية مسؤولية استخدام هذا السلاح، اعتماداً على معلومات وتقارير مزورة، مقابل إلحاح المندوب الروسي على ضرورة إجراء تحقيق دولي نزيه حول هذه المسألة.
وفي الوقت الذي وجهت فيه الحكومة السورية الدعوة إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للحضور إلى سورية وبدء التحقيق في هذا الأمر، وبالتحديد في الموعد الذي سيبدأ هذا التحقيق في دوما يوم السبت 14/4/،2018 وفي الساعة الثالثة والنصف صباحاً من اليوم المذكور، فوجئت سورية بالعدوان الثلاثي الأمريكي- البريطاني- الفرنسي عليها بصواريخ متطورة أطلقت من غواصات وسفن حربية ومن قواعد أمريكية وغربية في تركيا وقطر والإمارات والأردن، على منشآت ومطارات ومصانع ومواقع مدنية سورية في دمشق وريف دمشق وحمص، أكثر من مئة صاروخ متطور أطلقت على الأهداف المذكورة، إلا أن وسائط الدفاع الجوي السورية استطاعت إسقاط معظمها وتحييد البعض منها عن أهدافها لتسقط في أماكن بعيدة عن هذه الأهداف.
ويمكن القول إن سورية استوعبت ضربات هذا العدوان، خاصة أن أضرارها كانت قليلة ومحدودة، وأعلنت أن هذا العدوان لن يمنعها عن الاستمرار في محاربة الإرهاب وإفشال مخططات رعاته وداعميه في الغرب وفي المنطقة، وقد أصبح من الواضح أن خسارة أعداء سورية للغوطة الشرقية كانت من الأسباب الجوهرية لهذا العدوان الثلاثي، لأنهم كانوا يراهنون عليها كثيراً، بحيث تكون موصولة بقاعدة (التنف) الأمريكية، لتبقى رأس حربة في خاصرة العاصمة دمشق.
من جهة أخرى، فإن مثل هذا العدوان الجبان، جاء بمثابة انتقام لحالة الفشل واليأس والقلق التي وصل إليها معسكر التآمر على سورية، لأنه لم يحقق أهدافه، وفي مقدمتها تدمير سورية وتحويلها إلى دولة فاشلة وإخراجها من معادلة الصراع العربي – الصهيوني، لتبقى إسرائيل تعيش في حالة من الراحة والاطمئنان.
على أي حالة، لابد من التأكيد أن سورية التي صمدت شعباً وجيشاً وقيادة على مدى أكثر من سبع سنوات أمام أعتى حرب إرهابية كونية، وحققت خلالها انتصارات نوعية، لن يزيدها هذا العدوان الثلاثي الآثم إلا إصراراً على الصمود، وإصراراً على مواصلة محاربة الإرهاب، حتى يتم تحرير كل شبر من أراضيها من رجس الإرهاب الأسود.