مع بداية العد العكسي.. أداء حكومي متأرجح والملف الاقتصادي يتراجع

مضت المئة يوم الأولى من عمل حكومة عماد خميس، وعلى الوزراء الانتباه، إذ بدأ العد العكسي، مع انتهاء المهلة التي تعطى عادة للوزراء، لقراءة ملفاتهم، وصوغ مقترحاتهم، ووضع خططهم التفصيلية. وبعد الآن، غير مسموح لوزير الانتظار، وغير مقبول منه عدم الإلمام بتفاصيل عمل وزارته، ومهامها، والمطلوب منها.

ما يهمنا، من الحكومة التي صنفت نفسها بأنها حكومة الفقراء، عقب هذه المئة يوم، الملف الاقتصادي، والواقع الخدمي. وتبدو المؤشرات الأولية في الملف الاقتصادي متأرجحة بين الوزارات المعنية. فوزير المالية واضح بتوجهاته المعلنة، بأنه لا تكاليف جديدة وإضافية على الناس، وسينتقل من حالة التقشف في الإنفاق التي أعلنها سلفه، إلى إدارة الانفاق. إذ إن الرسوم التي كانت تهدد بها الحكومة السابقة، رسخت القناعة الدائمة لدى المواطنين، بالمحافظة على كرههم الأزلي لوزارة المال، والاقتناع بحالة القطيعة مع مؤسساتها.

فيما يحاول الوزير مأمون حمدان الاقتراب من هموم الناس. وربما في أول خطوة تتعلق بإنهاء ملف العمالة المؤقتة مؤشر إيجابي. وسيكون الفيصل في توجهات وزارة المال مشروع الموازنة العامة للدولة 2017، بما يحمله من تطلعات ينتظرها الشعب المظلوم اقتصادياً، والمستهدف مالياً، والذي لم يبق لديه ما يسدّ الفجوة المتسعة بين نفقاته وأجوره.

في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وعقب النجاح الذي حققه الوزير أديب ميالة في موضوع إجازات الاستيراد، لعلمه بكل خفاياه مذ كان حاكماً لمصرف سورية المركزي، بدأنا نلحظ غياب التوجهات. وكأن هذه الوزارة المهمة، محكومة بقيادة من لا يهمّه الاقتصاد. لهذه الوزارة دور محوري في العمل الحكومي، ولها الحق في صوغ نموذج عمل لاقتصاد البلاد، وتتحكم في علاقاته مع شركاء الخارج، كما تحمل وزناً ثقيلاً ومؤثراً في الداخل. إنها أم الوزارات، في مدى تأثيرها على حيوات الناس. لكن، على ما يبدو،  ميالة كعادته يرغب في التغريد خارج هذا السرب، ويفضل السباحة عكس متطلبات المرحلة. ما رشح من أروقة وزارة الاقتصاد معيب للغاية، ويثير تساؤلات جوهرية مفادها: هل هذا ما نريده من وزير الاقتصاد؟ وبمعنى أخر أكثر إيلاماً: هل هذا وزير حقيقي للاقتصاد الوطني الذي يعاني من ويلات حرب مدمرة عمرها ستة أعوام، ومازالت مفتوحة الأفق؟ يسعى وزير اقتصاد دولة تعاني من الحرب، إلى الحاق المصارف بوزارته.

هذه الجدلية العقيمة، التي تشبه تماماً محاولات ملء أوقات الفراغ الاقتصادي، نوقشت على مدار أعوام سابقة بما يفوق التصور، وكانت النتيجة نقل تبعية المصارف من وزارة الاقتصاد إلى وزارة المال. وطرح مثل هذه القضية، غير المهمة الآن، كون المصارف شبه متعطلة عن العمل، ينبئ بغياب الأجندة لوزير الاقتصاد، الذي يطالب بالانتقال إلى مبنى الهيئة العامة للضرائب والرسوم. هذا ليس وقت تحديد تبعية المباني، إنه وقت العمل على صعيد تلبية احتياجات الأسواق المحلية، وفتح ملف التصدير بكل مكوناته، ونحت النموذج الاقتصادي، الكفيل بترميم التشوه الذي يعاني منه اقتصاد سورية، إضافة إلى إدارة ما تبقى للبلاد من علاقات اقتصادية مع قلة من الدول. ما يجري في وزارة الاقتصاد ينذر بفشل قادم لا محالة في إدارة الملف الاقتصادي. ويجب الخروج من دائرة الطباشير، التي تعيد إنتاج الأفكار البائدة، في وقت نحتاج فيه إلى كل دقيقة للعمل، لإنقاذ اقتصادنا المنزلق إلى الهاوية. وكفانا تجريباً، وكفانا (تخبيصاً).

عقب المئة يوم الأولى، ماذا يحضّر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك؟ حملة التغييرات التي قادها في عدد من المفاصل الأساسية بعمل الوزارة، لا تختلف عن الحملة ذاتها التي التزم بها سابقوه. لا جديد حتى الآن في عمل هذه الوزارة، التي ينام السوريون ويستيقظون على فشلها في ضبط الأسعار، وعدم قدرتها على ابتكار أسلوب واحد جديد يُحسِّن من صورتها. إلا أن الآمال المعقودة على الوزير عبدالله الغربي، ستبقى كبيرة، وبيده الآن تحويلها إلى واقع ملموس، أو تركها مجرد آمال. بالمسطرة ذاتها نقيس على عمل بقية الوزارات، كالشؤون الاجتماعية والعمل، الغائبة عن الساحة الاقتصادية، والصناعة التي مازالت تكتفي بالمذكرات والمقترحات التقليدية، رغم خبرة الوزير أحمد الحمو بهذا القطاع المتهالك، والمطعون بظهره. بينما لا نجد ما يبرر تحييد وزراء الادارة المحلية، والتعليم العالي والتربية…الخ، عملهم عن التحديات الماثلة، إذ حتى الآن لم نجد طرائق عمل جديدة كنا ننتظرها، ولم نر أساليب مبتكرة في التعاطي مع الأزمة الخانقة. وبحكم المؤكد، فإن وزارة الزراعة ليست الاستثناء، وهي كغيرها تراوح في مكانها، ولا تملك مشاريع حقيقية تليق بالسوريين.

مئة يوم ستتلوها مئات، والحال على حاله. اقتصاد يحتاج إلى جهابذة لإنقاذه، وإلى وزراء غير عاديين، يبتكرون، ويبدعون، ولديهم حاسة سادسة. المهلة انتهت، ولا يوجد وقت إضافي، والمواطنون بانتظار قطف النتائج.  

العدد 1136 - 18/12/2024