لقاء تاريخي

بين السلام والسلاح حرف واحد، وبالتالي يمكن القول إن ماجرى يوم 27/4/2018 من لقاء ودي بين زعيمي كوريا الديمقراطية وكوريا الجنوبية ه وبداية اختفاء إرث دموي ثقيل.

لقد عُقدت في اليوم المذكور أعلاه قمة بين الزعيمين الكوريين، وصفها العديد من المحللين والخبراء السياسيين بأنها (قمة تاريخية) وهم على حق في هذا الوصف، فهي قمة تاريخية بالفعل، وذلك لعدة أسباب منها:

1-أنها شكلت على أرض الواقع بداية لتأسيس مرحلة جديدة بين الدولتين تختلف عن سابقتها.

2-نها قلبت المشهد المتوتر بين البلدين من حالة حرب إلى حالة سلام.

3-أنها أكدت على أرض الواقع أن أساليب العقوبات والتهديدات التي مارستها الإدارات الأمريكية المتعاقبة عامي 2000 و2007 في عهد الرئيس بوش الابن ولاحقاً في عهد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب ضد كوريا الديمقراطية قد فشلت ولم تؤدِ إلى أية حلول، بل ثبت من خلال هذا اللقاء الأخير أن أسلوب الحوار السياسي البنّاء هو الأجدى والأفضل لحل المسائل الإقليمية والدولية الشائكة وإطفاء بؤر التوتر والحروب العبثية.

4-أسقطت هذه القمة مرحلة ستين عاماً من العداء والتحشيد والتهديدات التي كادت أن تقود إلى حرب طاحنة بين البلدين يمكن أن تتطور إلى حرب عالمية جديدة.

5-أن هذه القمة تنعش الآمال باتجاه إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية في وقت لاحق، ما ينعكس إيجاباً على مصلحة الدولتين والشعبين, وحتى على مصلحة منطقة شرق وجنوب آسيا بشكل عام.. وهذا الأمر في غاية الأهمية.

6-أنها سبقت القمة المرتقبة بين الزعيم الكوري الديمقراطي كيم جونغ أون والرئيس الأمريكي ترامب، ما يعني أنها خلقت أجواء إيجابية تجاهها.

والجدير بالذكر أنه كان لروسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين وللصين دور كبير وأساسي في تقريب وجهات النظر بين الكوريتين، وصولاً إلى عقد هذه القمة التاريخية.

لقد عقدت القمة على حدود كانت عسكرية، وبالتحديد في بيت السلام في قرية بانج ونجوم، في المنطقة المنزوعة السلاح بين البلدين. ويمكن القول إن الإرادة الوطنية والقومية والإنسانية، إضافة إلى الجهود الروسية والصينية الخيّرة هي التي صنعت هذا اللقاء الهام، وليست الضغوط والتهديدات والعقوبات الأمريكية كما تزعم بعض الأوساط الغربية المغرضة، خاصة أن كوريا الديمقراطية- كما يعرف الجميع- صمدت صموداً أسطورياً في وجه كل أنواع العقوبات والحصار والتهديد التي مورست ضدها من قبل الإدارة الأمريكية وحلفائها، وأثبتت بالقول والفعل أنها كانت قادرة على المواجهة وصد أي عدوان عليها.

وقد صدر عن هذه القمة بيان مشترك أهم ما جاء فيه:

– عزم البلدين على وضع حد لمرحلة الانقسام والمواجهة الناتجة عن الحرب الباردة، وتدشين عصر جديد يرتكز على أسس المصالحة والسلام الدائم وتحسين وتطوير العلاقات بينهما.

– التأكيد على القيام بعملية نزع الأسلحة النووية بالكامل من شبه الجزيرة الكورية.

– الاتفاق على التنسيق والتعاون مع المجتمع الدولي في مسائل نزع السلاح النووي.

– التزام الطرفين بعدم القيام بأي اعتداء من قبل أحدهما على الآخر، إلى جانب التوقف عن نشر وبث جميع أشكال الدعاية المتبادلة بينهما ابتداء من مطلع شهر أيار 2018.

– الاتفاق على عقد محادثات ثلاثية مع أمريكا أو رباعية بين الكوريتين وأمريكا والصين، للإعلان عن إنهاء الحرب في هذا العام الذي تحل فيه ذكرى مرور 65 عاماً على عقد اتفاقية الهدنة الموقعة عام 1953.

وكان من اللافت للانتباه في هذه القمة أن اللقاء كان حاراً وودياً، يعكس رغبة الزعيمين في التخلص من الإرث الدموي الماضي وفتح صفحة جديدة بين البلدين، بما يؤدي إلى تحقيق الاستقرار والازدهار الاقتصادي للشعبين، أيضاً ما استرعى الانتباه هو ما جاء على لسان الزعيم الكوري الشمالي تأكيده على عدم تكرار مأساة الماضي، ما يوحي برغبة صادقة لديه باتجاه التوصل إلى سلام مستدام بين البلدين.

على أي حال وبالرغم من أهمية هذه القمة التي وضعت حجر الأساس لإنهاء نزاع طويل ومرير بين شطري شبه الجزيرة الكورية، والتي ستغير وضعها باتجاه الأفضل، إلا أنه يجب الأخذ بالحسبان أن عملية إقامة سلام دائم ومتين وحقيقي بعد مرحلة طويلة من العداء، هي عملية طويلة تحتاج إلى وقت طويل، والعديد من الالتزامات والمستلزمات والنوايا الصادقة من الطرفين، إلى جانب الحذر واليقظة تجاه أية محاولات أمريكية وغربية لتعطيل مفاعيل هذه القمة، لأن الولايات المتحدة بشكل خاص معروفة تاريخياً بأنها تحرص منذ تأسيسها حتى الآن على تعطيل جهود السلام في كل مكان عبر إشعال النزاعات وخلق الحروب وبؤر التوتر، لأن هذا المجال تتقن العمل فيه، فهو مجالها الوحيد، أو بالأحرى ملعبها المفضّل الذي تُجيد اللعب فيه، وذلك من أجل الإبقاء على هيمنة القطب الواحد والاستفراد بالقرار الدولي من دون مشاركة أحد لها في ذلك.

العدد 1136 - 18/12/2024