خط جرابلس ــ أعزاز قد يدفع بالمواجهة المباشرة بين روسيا وتركيا

تواجه الميليشيات الإسلامية المسلحة، منذ سقوط مطار كويرس وتمدّد الجيش السوري في ريف حلب الجنوبي، صعوبة في الحفاظ على المنطقة الجغرافية الواقعة بين مدينة أعزاز على الحدود التركية ومدينة حلب. وتشكل هذه الجغرافي جسراً برياً لاغنى عنه يصل هذه الميليشيات بالحدود التركية الداعم الرئيسي لها. يتعرض هذا الجسر لخطر السقوط من عدة اتجاهات: من الجنوب من قبل الجيش السوري وحلفائه المتمركزين في منطقة باشكوي والمنطقة الصناعية. ومن الشرق (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام- تنظيم الدولة). ومن الغرب (حزب الاتحاد الديمقراطي). إضافة إلى إغلاق هذا الأخير طريق الشيخ مقصود، الشريان الرئيسي للميليشيات الإسلامية المرابطة في مدينة حلب من مدينة أعزاز، حيث يوفر الموقع الحدودي الشمالي زباب السلامز الدعم العسكري واللوجستي للميليشيات المسلحة القادمة من تركيا.

يضع الجيش السوري وحلفاؤه استعادة مدينة حلب وريفها هدفاً أساسياً. لقد  ألحق القصف الجوي الروسي الممنهج ضرراً هائلاً بالبنية التحتية ومراكز تخزين الأسلحة ومراكز القيادة التابعة للميليشيات الإسلامية المسلحة شرقَ حلب، وهم اليوم أكثر من أي وقت مضى-على الأقل منذ نهاية عام 2012- محاصرون بشدة من قبل الجيش السوري. لكن ورغم استعادة الجيش السوري مطار كويرس في الشرق وعشرات القرى والمزارع المحيطة به، واستعادته ايضاً لخان طومان والعيس ومساحات واسعة من ريف حلب الجنوبي، إلا أن استعادة مدينة حلب تتطلب بالضرورة قطع طريق أعزاز، وذلك لقطع الامدادات العسكرية واللوجستية القادمة من تركيا إلى شرق مدينة حلب وشمالها. هناك 7 كيلومترات فقط تفصل بين منطقة باشكوي الخاضعة للجيش السوري وبلدتي نبّل والزهراء المحاصرتين. لكن مايُصعّب وصول الجيش السوري إلى هاتين البلدتين هو أن المنطقة الفاصلة بين سيطرة الجيش السوري والريف المحيط بنبل والزهراء هي منطقة عشوائيات وبنى إنشائية صناعية وليست ريف زراعي، بالتالي سيُضطر الجيش السوري إلى المواجهة وجهاً لوجه في معارك تشبه معارك المدن. وتعلم قيادات الميليشيات المسلحة، القيمة الاستراتيجية لعنق الزجاجة الجغرافي الذي تمثله هذه المنطقة. في الواقع خيارات الميليشيات المسلحة في الشمال السوري أضحت محدودة، لذلك قامت (جبهة النصرة) في 18 كانون الثاني بأعنف هجوم لدخول بلدتي نبّل والزهراء، لكنه فشل. من ناحية أخرى يتعرض (حزب الاتحاد الديمقراطي) لهجمات متكررة من قبل (جبهة النصرة) و(أحرار الشام)، و(نور الدين الزنكي) واستولت هذه الميليشيات في تشرين الثاني الماضي مؤقتاً على قرية مريمين. كما لم تتوقف المواجهات بين الأكراد والميليشيات الإسلامية على أطراف حي الشيخ المقصود. وفي المناطق الغربية من أعزاز، يشكل التعارض بين الأكراد والتركمان القاعدة الأساسية للنزاع، إذ تدعم تركيا هذا الأخير دعماً مطلقاً.

 إن مايسعى إليه الجيش السوري حقيقة هو سيناريو يشابه سيناريو مدينة حمص، إذ ستضطر عناصر الميليشيات الإسلامية المسلحة المحاصرة في حلب لإخلاء المدينة. لكن لايمكن للجيش السوري وحلفاؤه إنجاح هذا السيناريو دون دعم (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردي، لما يملكه من مقومات عسكرية ولوجستية، وعمق ارتباطه بالحاضنة الشعبية في هذه المنطقة.

تدل التوجهات السياسية للمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة على جدية في التخلص من (تنظيم الدولة) دون غيره. ويعتبر القرار 2254 الصادر في 18 كانون الثاني هو الأكثر تعبيراً عن ذلك. ومن المفترض ان تركيا سوف تجاري الميول الدولية، وأن تتخلى تدريجياً عن ورقة التنظيم التي طالما استخدمتها. لكن السؤال الصعب والمخيف على الأتراك هو من سيملأ الفراغ العسكري لتنظيم الدولة في المناطق التي يسيطر عليها حالياً، والتي تقع بين جرابلس وعفرين؟.

ميدانياً، الجميع يسعى لملء هذا الفراغ، إذ يحاول الجيش السوري الوصول إلى اوتستراد حلب حمص واسترداد الزربة وإيكاردا كي يُفتح أمامه ريف حلب الغربي، وفي تطور نوعي لعملياتها قامت روسيا بقصف ارتال للشاحنات كانت تمر عبر معبر باب الهوى الحدودي قادمة إلى المسلحين من تركيا.  لذلك تسعى تركيا بشتى الوسائل لدعم كل الميليشيات الإسلامية المنتشرة بمنطقة إعزاز.

ومن المحتمل جداً، في حال هزيمة هذه الميليشيات، أن تدخل تركيا في مواجهة عسكرية مع الجيش السوري وحليفته روسيا في حالة واحدة فقط، هي ترك الجيش السوري للأكراد ملء الفراغ الذي سيتركه (تنظيم الدولة) في هذه المنطقة. لكن هذا من شأنه أن يفتح على مخاطر استراتيجية دولية تتجاوز تركيا وتمسّ بالمصالح العليا للغرب.

العدد 1140 - 22/01/2025