الحكومة المتجددة.. حركة بانتظار البركة

 المراقب والمتابع للحكومة المتجددة ونشاطاتها فيما تجددت به بخصوص الخدمات الاجتماعية والسياسات الاقتصادية يرى نشاطات متتالية وبعض التغيرات في الآلية واستمرارية المتابعة والملاحقة، وهي فأل خير- إن حصد الوطن والشعب بركة هذه الحركة. فأي نشاطات لا تنتهي إلى ما يخدم المواطن من حيث الاستفادة من الخدمات المختلفة وجودة هذه الخدمات وبما يحسّن مستوى معيشته وينشله من الفقر والعوز فهي تبقى من نوع ديكورات لذرّ الرماد في العيون وتثبيط وتنويم همته للمطالبة المتكررة بالوصول إلى سوية معيشة منسجمة مع الوضع الذي وصلت إليه البلاد، ولكن ضمن مبدأ (الجود بالموجود) وليس ضمن مبدأ التستر وراء الأزمة لتبرير الفساد والنهب والهدر المتزايد وللمزاودة بالشعارات الوطنية لحرف مرصاد المتابعة والمراقبة.

 ما يلاحظ على الأداء الحكومي هو تميزه عما سبقه من حيث الاستماع لمطالب الشعب والخبراء، والسير بما كان حوله إجماع وإن كان بوتائر مختلفة لمشاكل مختلفة، فكان الغالب على السلوك الجديد هو النزول للشارع ورصد المطالب والأخطاء مباشرة من العين والأذن، وترافق ذلك ببعض القرارات والإجراءات التي كانت بداية خير ولكنها غير كافية إن لم تدعم باستمراريتها وكذلك شموليتها، فصحيح أن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك كان من الأنشط عبر زيارات ميدانية ومتابعة، ولكن هوامش الفائدة مما يقوم به تظل صغيرة ما لم تتغير العقلية وإمكانية تغيير الواقع من حيث العمل على تدعيم نشاطه بأدوات قادرة على السير بنهج جديد همّه المواطن ومواجهة الفساد والاحتكار والقدرة على فرض سياسات منظمة تكون وقائية ومحيطة بما أفسده الماضي، فسياسة تدوير الزوايا وتغيير القبعات لا تنفع ضمن منظومات همّها الاستفادة والنهب ولو على حساب صحة المواطن وإفقاره وتجويعه، فمبدأ التسعير الإداري المتدحرج لم ولن ينجح، لا لصعوبة تنفيذه، وإنما لعدم توفر النية والإرادة وعدم تجديد دماء الوزارة بأدوات جديدة لم تنشأ على المنفعية الشخصية مهما حصل، وضمّ هؤلاء إلى بعض الموظفين ذوي السمعة الجيدة والتاريخية النظيفة، وأكيد لن يستطيع الوزير ضمان نجاح أهدافه نحو تحسين مستوى المعيشة بمعزل عن تكاملها مع وزارة الاقتصاد، التي تتناغم مع موجات وزيرها الذي تعودنا على تغيراتها المفاجئة بين المد والجزر من خلال المصرف المركزي وجنون سعر الصرف الذي جنّن الأسعار والمواطن والمراقب وصولاً إلى تنفيذ مقولة: قولوا ما تريدون ونحن نفعل ما نريد!

وبالتالي فرض سعر يفوق ما يجب أن يكون واستمر الحاكم القديم والوزير الجديد في تقلباته، فيوماً يسمح بتصدير الأغنام وفي اليوم الذي يليه يمنع، ويوماً يعوّم إجازات الاستيراد لتعود إلى المحتكرين في التنفيذ، والمحصلة استمرار الاحتكار ومنع مؤسسات التجارة الخارجية من استيراد المواد لتصبح مؤسسات التدخل الايجابي بلا فعالية وبلا تدخّل، وتصبح أسعارها أكبر غالباً من سعر السوق، فتغتني القلة على حساب شعب مدمى جريح صامد وصابر، ويطلّ علينا رئيس اللجنة الاقتصادية بنغمة جديدة وهي مصطلح التشاركية لإصلاح القطاع العام كمبدأ لجذب الاستثمارات وإعادة عجلة الإنتاج، ولكن تشاركيته أبعد ما تكون عن مفهوم التشاركية والغاية من تشاركيته هذه تخص الإدارة، وسؤالنا: هل نستنتج من كلام وزير الصناعة السابق بأن 60 % من خسائر القطاع العام بسبب فساد الإدارة باننا بحاجة إلى كوادر جديدة غطاءً لإفادة بعض المتنفذين واستمرارية التبذير بمقدرات القطاع العام الذي دفع الشعب من مدخراته وجهوده للوصول إليها، أم المطلوب تعيينات على أسس فاعلة وبناءة وفق شروط وقوانين تحقق خططاً إنتاجية وترفد الخزينة وتحسن معيشة الموظفين، ومخرجات تخدم المواطن بسلع بديلاً من الاستيراد.

وهذا السلوك هو العلاج لأغلب الأمراض التي عانى ويعاني منها الاقتصاد السوري، ومنها التعيينات على أساس المحسوبيات والواسطات، والغاية منها خدمة الداعم ولو خسرت المنشأة وخسر الوطن! وكذلك لمح رئيس اللجنة الاقتصادية للمشاركة بأراض لمعامل متوقفة ولمعامل دمرت ولا نية لإصلاحها! وهنا تكمن الغاية الأهم لصندوق النقد الدولي: تحجيم القطاع العام وسحب يده من إدارة العملية الاقتصادية ويتناغم مع غرائز أدوات البنك وتجار الأزمة وإرهابيي الاقتصاد بأن تجفيف التصنيع واحتكار الاستيراد يؤدي لثلاث خدمات: أولاً مضاعفة الأرباح، ثانياً مسك الدولة من اليد التي توجعها بالتهديد بالانهيار الاقتصادي، وثالثاً مراضاة للولايات المتحدة ولأدواتها، وقد كانت تجربة محطات الحوايا ومعمل إسمنت طرطوس في ظروف السلم خير مثال عما لحق بمداخيل الدولة من غبن، عبر عدم الالتزام بالاتفاق وعدم تحصيل حقوق الدولة، فكيف الآن في ظروف الحرب والفوضى والابتزاز، وفي ظل ظروف يجب أن تكون هناك إدارة للاقتصاد ضمن خطط وبرامج اقتصاد الأزمات والكوارث.

وقد ترافقت سلوكيات وزير الاقتصاد وتصريحاته مع عدم النية لمصرف سورية المركزي بإجراء أي تغير في سياسات الحاكم السابق وفي سلوك يخيل للمتابع أن الحاكم السابق هو المشرف العام على سعر الصرف وهو المعرقل والكابح لأي تغيير فيه حتى لا يعري سلوكياته السابقة التي كان لإجراء شعبي وحكومي خارج أدواته الدور الأبرز في تعريته، عندما هبط سعر الدولار من 620 ليرة لحدود 300 ليرة قبل أن يتدخل الحاكم السابق للمصرف سلبياً فوصل إلى حدود 470 ليرة مخالفاً كل الأدوات والسياسات.

 بالمحصلة، إن نهج رئيس الحكومة الجديد وسلوكياته تدل على نية صادقة راهن الكثير من السوريين عليها، ونتمنى أن تستمر بما يخدم الوطن والمواطن، ولكن أي نهج لا ينعكس على تحسين مستوى معيشة المواطن وتحسين جودة الخدمات وإعادة المنصب ليكون مكاناً لخدمة المواطن لا لاغتناء من يسكنه، وصولاً إلى الإحاطة بالفساد المتزايد والمعفن، فسيكون هذا النهج وكل هذه الأمور ستكون حركة بلا بركة ما لم تنعكس على سياسات اقتصادية تعيد لليرة سعرها الطبيعي، وما لم تنعكس على سعر المحروقات وبالتالي تعيد عجلة الإنتاج وإعادة البناء فلن توصلنا إلى برّ الأمان واستمرارية تحصين المجتمع واستمرارية دعمه بكل قوة للمؤسسة العسكرية، الضامن الحقيقي لوحدة الأرض والدم وحماية العرض، والوصول إلى برّ الأمان لا بد من سياسة تعيينات جديدة تقوم على الكفاءة والمهنية والتاريخية الوطنية ونزاهة السلوك ولا تعتمد على تغيير القبعات, إن الصراع الحقيقي في سورية هو بين قوى الفساد ودولة المؤسسات، وإن تفاؤلنا وثقتنا بكم كانت من خلال تنشئتكم المؤسسية وسلوككم القويم، قلنا سابقاً ونقول إننا وجدنا في سلوككم نغمة جديدة قد تطرب الشعب والوطن، ونتمنى أن تستمر وبنفَس أقوى يقوي المؤسسات ويحيط بالفساد ويحسن مستوى المعيشة، وبعقل الفريق الذي يتولى إدارته والتنسيق بينه وتكريس العقل الجماعي فيه، وأخيراً إن لم تعد للمؤسسات فعاليتها وقوتها وإن لم تحدد صلاحيتها فلن نصل إلى برّ الأمان.

العدد 1136 - 18/12/2024