الأزمة السورية.. دول الإقليم في مواجهة تسوية محتملة

 رغم التصعيد الإعلامي الكبير والدعوات الأمريكية لضرب الجيش السوري وما يرافقه من ازدياد شدة المعارك على الأرض، تطرح جُملة من المُتغيرات على صعيد الأزمة السورية في الآونة الأخيرة مؤشرات على أن المنطقة قادمة على نوع من التسوية، لا تتعلق بطبيعة المعركة الداخلية في الميدان السوري، بقدر تعلقها بالتوازن الأهم الذي  تشكّل بين روسيا والولايات المتحدة على مستوى إقليم الشرق الأوسط عموماً. عند هذا التوازن يبدو المسار التفاوضي الذي تحاول أن تشكله الأطراف السياسية المختلفة في سورية مُستقلة بشكل كبير عن سياسات الدول المتورطة في الأزمة السورية، بمعنى أن أي عقد سياسي يمكن أن ينشأ في الداخل السوري لن يؤثر استراتيجياً على مصالح الدول المتورطة في الحرب السورية. إذاً نحن أمام مسارين كلاهما مُتأثران باتجاه واحد هو تأثير خيارات الدول المعنية بالأزمة السورية نحو الأطراف السياسية في الداخل وليس بالعكس.

إن المسار ذي الاتجاه الواحد سيفرض على القوى السياسية الداخلية تغيرات بنيوية في منظومة الأهداف، وكسر للتقاليد المبدئية التي سادت لعقود من الزمن، المتعلقة بمفاهيم الوطنية والسيادة والمعايير القومية. إذ إنه و-للأسف- منذ لحظة اتفاق روسيا والولايات المتحدة على حل الأزمة السورية، سيغدو التعامل مع المنظمات الإرهابية نسبياً، وسيكون مفهوم السيادة خاضعاً للمد والجزر وفق اعتبارات الهواجس الغربية المتعلقة بمدى تقدم (الكيان الكردي) ومكافحة الإرهاب. طبعاً سينسحب هذا السياق على دول المنطقة عموماً وليس فقط في سورية.

على العموم، هذا المسار ذي الاتجاه الواحد بدأ يتبلور بشكل واسع في الآونة الأخيرة، عبر نتائج عملية ينفذها طرفا التفاوض السوريان، فمن جهة قدم كل من رئيس (وفد الرياض) المعارض أسعد الزعبي وكبير مفاوضيه محمد علوش استقالتيهما في نهاية أيار الماضي، علماً أن هذا الأخير لم يستمر في هذا المنصب سوى فترة قصيرة لم تتعدّ 3 أشهر، متقدمين بذلك خطوة باتجاه نقطة وسطية لحل الأزمة السورية. في المقابل يُفترض أن تشكيل المجلس التشريعي الجديد الذي بدأ أعماله في 6/6/،2016 يُفترض منه أن يتجاوب مع اقتراحات الحليف الروسي وأن تكون متقدمة بخطوة أو خطوات نحو الرؤية الغربية لشكل الحكم في سورية، ويناسب كلاً من مصالح روسيا والولايات المتحدة على حد سواء. وليس بعيداً عن سورية يمكن أن نضع في السياق الروسي الأمريكي نفسه ردَّ فعل الدول الإقليمية الرافضة للحل في سورية:

–  تركيا: في أيار الماضي استقال رئيس الوزراء داوود أوغلو، أحد أهم دعائم حزب العدالة والتنمية والمقرب من الولايات المتحدة، وجرى تعيين بن علي يلديريم رئيس حكومة جديداً، وهو خاضع كلياً لشخصية الرئيس رجب طيب أردوغان الرافض حتى الآن للحل السلمي في سورية.

– إسرائيل: في أيار الماضي عُيّن أفيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع، في دلالة على تشكيل حكومة تعتبر أكثر من متشددة في إسرائيل، وهو أسلوب اعتادت عليه السياسة الإسرائيلية عند مواجهتها لاستحقاقات السلام في المنطقة.

– الأردن: في أيار أيضاً استقالة مفاجئة لحكومة النسور الاردنية وتكليف الملك الأردني حكومة جديدة تأخذ على عاتقها مجموعة من النقاط أهمها: تسهيل تنفيذ اتفاقات مجلس (التنسيق السعودي الأردني) الذي أُنشئ في 27 نيسان الماضي.

إن اندفاع الرياض المحموم لإبقاء دور ما لها في سورية، على الأقل في الجنوب السوري والغوطة الشرقية، في ظل اتفاقات دولية لا تلبي مصالح السعودية في سورية، أعادها إلى التفكير بزيادة المساعدات المالية للأردن وهي تقدر ببضعة مليارات من الدولارات عبر تشكيل مجلس (التنسيق السعودي الاردني). وتأتي استقالة الحكومة الأردنية في هذا السياق ردَّ فعل من الملكة العربية السعودية رفضاً لـ (التنازلات) الأمريكية في سورية.

–  لبنان: أجريت في أيار الماضي أيضاً ورغم تأثيرها المحدود، انتخابات بلدية تميزت بزخم واضح ونتائج لافتة خاصة فوز رجل السعودية المُستقبلي أشرف ريفي في طرابلس.

–  إيران: كذلك في شهر أيار جرى انتخاب علي جنتي، التسعينيّ العمر والمتشدد، رئيساً لمجلس خبراء القيادة في إيران ما يشير إلى عدم تغير سياسات إيران تجاه سورية، وعدم قبولها الضمني بالتسوية الروسية الأمريكية.

على الصعيد المحلي في سورية، يُفترض أن استقالة قياديي (وفد الرياض) ثم تشكيل وزارة جديدة في سورية هما خطوتان روسية وأمريكية لتقريب كل من الطرفين إلى الآخر. إذ يستثمر الطرفان الصيغة السورية الجديدة للمرحلة المُقبلة، في ظل تمرد دول الإقليم وعدم انصياعها لقرارات التسوية الأمريكية- الروسية في المنطقة.

من هنا يُمكن أن نفسر عدم الحماس الذي أبدته روسيا – حتى الآن- في إكمال حملتها العسكرية في سورية بتلك الشدة التي بدأت فيها، والتصعيد الإعلامي الذي أبدته الولايات المتحدة في أسلوبها لإرضاء حلفائها، فالمكاسب العسكرية هنا أصبحت غير مجدية بقدر نوعية الدور السوري الذي اُتفق عليه كجزء من إعادة صياغة المنطقة. وهذا الدور سيسبقه فترة من الزمن يتخللها ارتفاع في شدة العنف والقتال ظهرت أولى نتائجها باستعادة الفلوجة من أيدي عناصر تنظيم الدولة الإسلامية هذا الأسبوع.

العدد 1136 - 18/12/2024