العقوبات حضرت.. والأسرة السورية غابت عن الندوة: (التدابير والإجراءات القسرية أحادية الجانب وأثرها في الأسرة السورية)..
(النور)ـ خاص
على الرغم من توسّع المحاور وانتظام العناوين وترتيبها، إلا أن الندوة التي أعدتها الهيئة السورية لشؤون الأسرة وجمعية العلوم الاقتصادية جاءت متركزة في قسم كبير منها على النظريات الاقتصادية وتطبيقها وأهدافها.
وقد بحث الدكتور مدين علي، في المحاضرة التي ألقاها في قاعة المحاضرات في مكتبة الأسد، بعنوان(التدابير والإجراءات القسرية أحادية الجانب وأثرها في الأسرة السورية) في نظرية العقوبات وطبيعة الاستهداف وأدواته وموقع العقوبات في السياسة الدولية، وأنواعها، وكل ما يتصل بها، وذلك كإطار نظري للبحث.
وتناولت الدراسة التي عرضها الدكتور مدين واقع بعض المتغيرات الاقتصادية الكلية، ودراسة تحولات السياسة الاقتصادية في سورية، خاصة ما يتعلق بكيفية تعاطي الحكومة السورية مع العقوبات قبل الأزمة وبعدها، على أن أبرز ما يميز الحقبة الراهنة في السياسة الدولية، هو الدور المتعاظم أو المكثّف للاقتصاد في تحديد طبيعة العلاقات الدولية وكذلك طبيعة الأسس أو المرتكزات التي تُبنى من خلالها التحالفات.
وخلال المحاضرة استعرض علي الآثار والمنعكسات على مستوى معيشة الأسرة مؤكداً أن هناك تنامياً واضحاً في العجوزات المالية وانخفاض سعر الصرف والتراجع الكبير في القوة الشرائية للدخول إلى مستوى أقل من 10% مما كان عليه قبل العقوبات، ما جعل الأسرة السورية المكونة من 5 إلى 6 أشخاص في ضوء المستوى العام للأسعار تحتاج إلى ما لا يقل عن 200 ألف ليرة سورية لتغطية تكاليفها المعيشية فقط.
وحول الآثار البنيوية للعقوبات بيّن علي أنه لابد من إعادة تشكيل ديناميكي للمجتمع وللاقتصاد السوري من خلال تغيير مجرى العملية التوزيعية المتعلقة بالفائض والدخل القومي، وتشكيل سوق اقتصادية موازية لاقتصاد الظل الذي قدّر سابقاً بحسب بعض الدراسات بحوالي 30% من الدخل القومي، أما في الوقت الراهن فالدراسات تؤكد أنه وصل إلى 70% من الدخل القومي والناتج المحلي، ولاسيما أن هناك طبقة جديدة ظهرت هي طبقة رجال أعمال بلا هوية سياسية ولا اقتصادية ولا ثقافية، هؤلاء باتوا مشكلة حقيقة وهم الأخطر على الدولة السورية لأن قسماً كبيراً من المقدرات الاقتصادية والمالية باتت تحت سيطرتهم وفي قبضة أيديهم.. مشيراً إلى أن تعاظم دور السماسرة والوسطاء وتجار السوق الذين ابتزوا وأثروا على حساب كرامة الإنسان الذي تراجع واقعه المعيشي بالمقاييس والمعايير الإنسانية الدولية.
وأكد علي أن الحكومات المتعاقبة في سورية، كانت قد تمكنت من التكيف وإيجاد الصيغ البديلة بهدف تفويت فرصة العقوبات وتفريغها من إمكانيات نجاحها في التأثير بصورة نوعية على مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومع أن هذه العقوبات كانت قد بقيت في إطار العقوبات الدولية الأحادية الجانب، إلا أنها تركت آثاراً سلبية عانى منها الاقتصاد السوري والشعب في سورية حتى تاريخه.
وبيّنت الدراسة التي قدّمها الدكتور مدين أن هناك تراجعاً في الإيرادات الضريبية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وكنسبة من إجمالي الإيرادات العامة، في الوقت الذي اتجهت فيه ضرائب الإنفاق الاستهلاكي لتكون النسبة الأهم والأكبر من إجمالي الإيرادات الضريبية في السنوات الخمس التي سبقت الأزمة الراهنة في سورية.
وأشار إلى أن ما تقدم كان قد ترافق زمنياً مع تحرير أسعار الطاقة والمشتقات النفطية وبعض السلع الاستراتيجية، التي خضعت هي الأخرى لسياسة إعادة هيكلة الدعم التي قامت على استراتيجية مكونة من مسارين اثنين هما: تقليص الدعم من جهة، ومحاولة حصره أو إيصاله إلى مستحقيه من جهةٍ أخرى.
كما أكد علي أن الاقتصاد السوري استطاع خلال السنوات التي سبقت الأزمة الاقتصادية العالمية، أن يحقق معدل نمو وسطي (بحسب البيانات الرسمية الحكومية) تراوح مابين (4-6%) طيلة السنوات 2004 -،2010 وقد بلغ (5,94%) عام (2009)، وذلك بالرغم من: ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار المشتقات النفطية، وبالرغم من الظروف المناخية السيئة التي أثرت على قطاع الإنتاج الزراعي، والضغوط السياسية الكبيرة أيضاً التي تعرضت لها سورية آنذاك.
وقد أشار الدكتور علي إلى أن العقوبات نجحت من الناحية الاقتصادية، إلا أنها فشلت من الناحية السياسية، و أن ثمة تبايناً شديداً في طبيعة النتائج ومدى تحقيق الأهداف التي جاءت لأجلها هذه العقوبات، موضحاً أنه حدث نتيجة هذه العقوبات خلل كبير بين حجم الطلب والعرض المتاح وخصوصاً في ظل تعاظم دور تجار الأزمة والقوى الاحتكارية، الذين استغلوا ظروف الحرب والعقوبات وانشغال الدولة بأولويات أخرى
كما تطرق الدكتور علي إلى طبيعة العقوبات ونوعيتها، في عدة مستويات سياسية واقتصادية وتكنولوجية، وأيضا إلى شمولية العقوبات ونطاق تضمينها، فهناك عقوبات شاملة وكلية، وعقوبات جزئية ومحدودة.
وكما أسلفنا فعلى الرغم من تعدد العناوين والمحاور التي تضمنتها الدراسة، وتوسّعها في العقوبات الاقتصادية بكل محاورها ومجالاتها، لكن العنوان العريض الذي تضمن(أثر العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب على الأسرة السورية) هذا العنوان جعلنا نتساءل عن غياب الأسرة السورية عن الندوة، وعن تجاهل التطرق للحديث عنها في ظل تساؤل من الحاضرين، لم يلق الجواب الكافي من المحاضر!!