المصالحات الوطنية تتسع لأنها عنوان استعادة وحدة سورية
لا يمر وقت طويل دون أن ترد إلى مسامعنا أنباء تزيل بعضاً من علائم الحزن والاكتئاب التي ارتسمت منذ خمس سنوات على وجوه السوريين.
إنها أنباء عودة السوريين إلى السوريين، عودة الأخ إلى أخيه والصديق إلى صديقه والمعمل إلى عماله.. والمدرسة إلى تلاميذها، وعلى هذا المنوال أخذ إيقاع الحياة يسير، ولو ببطء شديد، لكنه إيقاع يحمل معه إمارات الديمومة، ولكن لماذا؟
إن هذا السؤال تجيب عنه الوقائع:
– صمود وقف العمليات العسكرية لأكثر من أسبوع.
– التمزق الذي يشتّت صفوف الإرهابيين، ويحطم معنوياتهم، ويجعلهم يفرّون إلى حيث أسيادهم في تركيا.
– الجيش العربي السوري يستعيد تراب الوطن الذي دنسته أقدامهم.
– الكثير من العائلات بدأت تعود إلى قراها ومدنها ونواحيها وأحيائها.
إنه التحول الكبير في ميزان القوى لصالح سورية، هذا التحول تطلب خمسة أعوام حتى يعلن فشل المشروع التكفيري، وها هم أرباب هذا المشروع يعترفون لأول مرة بحق الشعب السوري في استعادة أرضه، في وحدتها، في اختيار شكل الحكم الذي يناسبه، وحق الجيش العربي السوري في أن يطرد الغزاة المرتزقة الأجانب الذين تسللوا إلينا من تركيا بعشرات الألوف.
إن هذا التحول جعل الدول الاستعمارية الكبرى تتراجع عن مواقفها السابقة، مرغمة، ولكن بخبث شديد، وهي تقترب من الدولة الصديقة روسيا، وتحاول إيجاد مخرج لها من الورطة التي وقعت بها في سورية، فهم لم يتخيّلوا صمودها إلى هذا الحد.
إن كل هذه العوامل، وفي مقدمتها تحمّل الشعب السوري مشاقّ الحياة في ظل الحرب العدوانية، وخاصة الاقتصادية والاجتماعية، قد جعل من صمود هذا الشعب أسطورة.
لكن ذلك لا يعني أن كل شيء قد انتهى، فالمعركة ما تزال مستمرة، وبعض المحافظات ما تزال بيد الإرهابيين، والمساعي السياسية تتطور باستمرار، ويبدو وكأننا على أبواب تفاهمات دولية لتعزيز فرص الحل السياسي، لكن ذلك جميعه ودون استثناء يحتاج إلى أن تنبع روح الحل السياسي من الداخل، والواضح تماماً أن أكثرية كبيرة ممن لم يفهموا الحقائق السياسية التي برزت منذ اللحظات الأولى للحراك الشعبي في آذار ،2011 قد غُرر بهم، فحملوا السلاح ضد الدولة تحت قيادة المرتزقة الأجانب،
إن أمثال هؤلاء يحتاجون إلى الإقتناع بأنه لا يوجد لهم مستقبل إذا استمروا بحمل السلاح، خاصة في ظل مشروع سياسي متهاوٍ حتى الحضيض. من المهم تماماً، لهؤلاء الذين لم يدركوا ماذا فعلوا، أن تجري محاورتهم وفتح الصدور لهم، وأن تسوّى أوضاعهم الإدارية دون تعقيدات من البيروقراطية والروتين.
لقد بذلت وزارة المصالحة الوطنية جهوداً كبيرة من أجل تشجيع المصالحات على مستوى محلي محدود، انتهاء بمصالحات كبيرة على مستوى المدن، لكن الأمر يحتاج إلى أن يدرك الجميع أن إنجاح المصالحات هو ضربة قاصمة في ظهر الإرهاب والإرهابيين، ولمشاريع الهيمنة، لأن هذه القوى المعادية دأبت على تهيئة الأجواء لتنفيذ مشاريع التقسيم والتجزئة التي لا يمكن إحباطها إلا بتمتين النسيج الاجتماعي لكل شعب وبلد عربي، وبردم الهوة التي أحدثها العدوان والحرب الشائنة على سورية بين أبناء الشعب السوري نفسه.
إن المشروع الأمريكي الصهيوني، والمشروع التكفيري في أزمة عميقة تجعل من سقوطه احتمالاً قائماً، في وقت ليس ببعيد، وشرط ذلك هو إشاعة روح التسامح والمصالحة، على أساس وطني، بين أبناء الشعب الواحد.