الصناديق السيادية حصّالة (مطمورة) الأجيال القادمة

بشار المنيّر:
لا تخرج وظيفة الصندوق السيادي عن المفهوم القديم الذي فرضته آليات العمل والإنتاج والربح والاستثمار.. فقد أجبرت آليات السوق جميع المتعاملين، سواء من التجار أو الحرفيين أو الصناعيين على اتخاذ التدابير الاحتياطية لملاقاة الآتي، وكانت الوسيلة لتحقيق ذلك هي اقتطاع بعض الفوائض من أرباحهم، وتوظيفها في نشاطات تدر أرباحاً مستقبلية، تساعد ورثتهم على استمرار العمل في منشآتهم.
وهكذا.. فالصندوق السيادي لأي دولة يتولى استثمار الفوائض المالية الناتجة عن ثروات البلاد في نشاطات متعددة تدر عائدات طويلة لأجل، تمثل حقوقاً للأجيال القادمة في ثروات وطنهم.
لذلك يقتصر تشكيل الصناديق السيادية على حزمة من دول العالم القادرة على إنتاج الفوائض المالية، وهي عادة الدول التي تعتمد على ثروتها الريعية كالنفط والغاز ومواد أخرى، وأحياناً على عوائد الدولة من فوائض النشاطات التي توفرها القطاعات الاقتصادية المنتجة.
تتنوع الاستثمارات التي تقوم بها الصناديق السيادية، والعامل الأبرز هنا هو العائد ومدة الاستثمار، ونادراً ما تلجأ هذه الصناديق إلى الاستثمار في نشاطات قصيرة الأمد، لأن عوائدها منخفضة، فقد تستثمر هذه الصناديق في السندات الحكومية للدول الكبرى، كسندات الخزانة الأمريكية التي وصل عائدها نحو 4.3% لمدة عشر سنوات، وهذا ما تفعله الصناديق السيادية في الصين واليابان ودول الخليج، وقد يشتري أحد الصناديق نسبة كبيرة من أسهم شركة عالمية معروفة أو ناد رياضي عالمي مشهور، لكن مساهمة هذه الصناديق في التنمية داخل كل بلد مرهونة للسياسات الاقتصادية المتبعة، والأوضاع الاستثنائية التي تواجهها. وتمتلك الصناديق السيادية العالمية اليوم 33% من إجمالي سندات الخزينة الأمريكية بمبلغ يناهز 8 تريليونات دولار.
بالاستناد إلى ما سبق، يمكننا استنتاج الظروف والبيئة المناسبة لتشكيل الصندوق السيادي في دولة من الدولة:
1- امتلاك الدولة للثروات، وخاصة النفط والغاز والمعادن الثمينة وثروات أخرى.
2- توفر فائض من عائدات هذه الثروات بعد أن يخصص منها ما يستلزم لتفعيل النشاط الاقتصادي، والمساهمات الاجتماعية.
3- استقرار هذه الدولة وسيادتها وحرصها على السلم الأهلي، وشفافية سلطاتها السياسية والقضائية.
4- خضوع نشاط هذا الصندوق السيادي لرقابة الشعب المتمثلة بالمجلس النيابي المنتخب ديمقراطياً.
5- سياسات اقتصادية تعمل على تحفيز القطاعات الصناعية والزراعية المنتجة، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.

الصندوق السيادي السوري
أصدر السيد الرئيس المؤقت مرسوماً بتأسيس الصندوق السيادي السوري، ولا نعلم كيف سيمول هذا الصندوق في الظروف التي تواجه بلادنا والتي تتسم بالسمات التالية:
1- الحكومة المؤقتة لا تمتلك اليوم مصادر إنتاج النفط والغاز، واستثمار الفوسفات متعثر بين عقود قديمة ومحاولات لتوقيع عقود جديدة.
2- وفي حال امتلاك هذه المصادر وغيرها، فإننا نشكك بإمكانية توفر فوائض من عائدتها، إذ تذهب عوائد النفط لتسديد فاتورة توفير الغذاء بعد تراجع مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي، بسبب تداعيات الأزمة السورية خلال 14 عاماً.
3- خضوع البلاد لفترة انتقالية لا تسمح بإصدار تشريعات بغياب المجالس المنتخبة ديمقراطياً.
4- غياب مناخ الاستقرار والسلم الأهلي اللذين يسمحان باستثمار الثروات وتكوين الفائض المخصص للصندوق السيادي.
5- الأصول الثابتة والمتغيرة للقطاع العام يمكن أن تستثمر من قبل وزارة الصناعة وفق خطة شاملة تحافظ بموجبها على القطاعات الرابحة وتدعيم بقية القطاعات الوسطية، وتسكير الخاسر، ولا يجوز أن تشكل رأسمال الصندوق السيادي.
6- إعادة الإعمار وإنهاض الاقتصاد السوري يحتاجان إلى خطة حكومية مركزية ترسم استناداً إلى مؤتمر اقتصادي وطني يضم خبراء الاقتصاد السوري، ودور الصندوق السيادي هنا محدود للغاية، لذلك كنا وما زلنا نفضل تأسيس صندوق حكومي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمتوازنة وإعادة الإعمار.
الصندوق السيادي اليوم، ترف لا يتلاءم مع الأوضاع السائدة في سورية، في ظل تراجع القطاعات الاقتصادية المنتجة، والمعاناة المعيشية التي دفعت نحو 85% من السوريين إلى هاوية الفقر.
ونسأل هنا:
لماذا لا يُستشار خبراء الاقتصاد السوريين لا في ضرورات تأسيس الصناديق فقط، بل في مجمل السياسات الاقتصادية المناسبة لإنهاض الاقتصاد السوري، وإنهاء معاناة السوريين المعيشية؟!

العدد 1140 - 22/01/2025