كي لا ننسى…ناصر عيسى شهيد الحزب الشيوعي السوري

 لا تسير حياة الأبناء دائماً كما يخطط الآباء، تتشابك هنا عوامل كثيرة وتتداخل بعضها بالبعض الآخر، لتحدّد المسار الحياتي لهذا الإنسان أو ذاك.. كان أهل ناصر يرغبون في أن يتخرج ابنهم طبيباً، وخصوصاً أنهم كانوا يلمحون فيه منذ طفولته تطلعاً نحو مساعدة الناس.. كان متفوقاً في المدرسة، ويحوز دائماً على علامات شبه كاملة، وخصوصاً في المواد العلمية، ويجتاز امتحان الشهادة الثانوية بنجاح كبير يؤهله للدخول إلى كلية الطب حلم أهله. وبالفعل يصبح طالباً في كلية الطب، ويجتاز جميع الامتحانات بتميّز.

كان طالباً مؤهلاً ليصبح طبيباً لامعاً، ولم يكن لينقصه أي شيء في سبيل تحقيق هذه الغاية.. بيد أن الأمر لم يكن يقتصر على ذلك فقط.. إن شفافيته ووطنيته العميقة وكرهه العميق للظلم، كل ذلك جعله لا يستطيع أن يقف موقف اللامبالاة تجاه ما يحدث أمامه. كان الصراع الحضاري بين المقاومة الفلسطينية والمحتلين الإسرائيليين يحتدم في لبنان، وكان الشباب الفلسطيني والسوري واللبناني يذهبون طوعاً لخوض هذا الصراع دون أن يبالوا بمصالحهم الخاصة.

وكان ناصر وهو الفلسطيني لا يستطيع أن يقف عاجزاً متفرجاً تجاه ما يحدث.. بيد أن نظرته العميقة إلى الأحداث، وإنسانيته، كانت قد دفعته إلى الانخراط في صفوف الحزب الشيوعي السوري في جامعة دمشق، مكرّساً نشاطه للعمل في أوساط الشباب الديمقراطي آنذاك.. في ذلك الوقت يُصدر الحزب نداء للتطوع في المقاومة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، ويكون ناصر من أوائل الذين يلبون هذا النداء، وهو الطبيب في السنة الأخيرة من كلية الطب.. يكلّف في لبنان من قبل المقاومة بالعمل على إسعاف الجرحى في المواقع المتقدمة مع العدو الإسرائيلي، ويقدم على عمله بكل نجاح، ويسعف الكثير من الجرحى المقاومين الذين تعرضوا للإصابات.

لم يقتصر دوره على الإسعاف فقط، كان يشترك مع المقاومين في القتال، ويرفع من معنويات المناضلين.. وفي أوقات الراحة، كان يقوم بالعناية برفاقه، ويبثّ روح الصمود بهم. كان يشعر بالمسؤولية تجاه أي مقاوم أو جريح، ولذلك أحبه الجميع واحترموه، وعاملوه، وهو الشاب كأبٍ لهم.. وفي أحد الأيام، بينما كان منهمكاً بإسعاف أحد المقاومين الجرحى، يصاب ناصر بطلق ناري، ويسقط. ينتشر الخبر بين رفاقه المقاومين، ويعم الحزن والألم.. لقد بكاه الكثيرون من زملائه، كان زارعاً للفرح والسرور، وكان يتمثل بقول أحد المناضلين الذين ضحوا بحياتهم من أجل مستقبل شعبهم: أخضر ونديّاً يا أبنائي، أخضر ونديّاً سيكون العالم فوق قبورنا.

عندما وصلنا نبأ استشهاد ناصر، كان علينا إخبار أهله، وكم كانت هذه المهمة صعبة.. بيد أن والده الباسل والأبي، قد شجّعنا على هذه المهمة، وتلقى النبأ بشجاعة واعتزاز، وعرفنا عندئذٍ السرّ الذي كمن في بطولة ناصر.. إنها الأسرة الوطنية التي ربّته على هذا الطريق.

سيبقى اسمك أيها الشهيد ناصر، خالداً وحيّاً في أغنيات البواسل، سيبقى نداء خالداً للحرية والنور.

العدد 1140 - 22/01/2025