آلامكم الممهورة بفرح آت..

جحيم آخر يجب أن يضاف إلى جحيم دانتي في الكوميديا الالهية.. ولو كان دانتي بيننا في حرب الشياطين الكونية، المجتمعين يداً واحدة على تمزيق سورية وقتل الأرواح الطيبة فيها، لأضاف تلقائياً جحيماً غير جحيم الكاذبين والسارقين والقتلة والمجرمين الذين صادفهم في جحيمهم ريثما يصل إلى الفردوس.. وأظن كل الظن أنه سيسمي الجحيم السوري بالكوميديا الحمراء لشدة لهيبها مجازياً وللون الدماء التي سفكت فيها.

تألم السوريون الشرفاء أشد الآلام: قتلوا، هجروا، أجبروا على النزوح، خطفوا، عُذّبوا، اضطهدوا، فجّرهم الإرهابيون.. وجعلوا أشلاءهم مثل كرة الرماد القادمة من البركان..خبر أحفاد الأنبياء والصالحين صنوف الألم وتعددت أشكاله عندهم، فالألم المسجى وهو مئات الضحايا من الورود في مجزرة واحدة أو تفجير واحد.. والألم المغنى الذي نسمعه في بكاء الأم على ابنها الشهيد المظلوم.. والألم المتلظي بحرقة الغياب وبوجوه لن ترى بعد الآن، والألم المتقهقر خوفاً من الغد.. والألم المدمي الذي يفطر قلب صاحبه فيهيم على وجهه كالخراف الضالة بمواجهة الضباع، والألم المتشظي داخل الجسد والذي يحيله إلى العجز والانكفاء..وآلام بوجوه تتقلب بين القلوب كتقلب الدهر بين السنين والشهور..وكأن الصوت السماوي يحيل للسورريين أن يختاروا ما يشاؤوا من أنواع الآلام، فالحرية كل الحرية لمظلومي الحرب أن يعانقوا أيما نوع من الألم يحبونه ويمارسونه بكل طقوسه؟؟؟ صار الفرح الصغير أملاً مرتجى..ألاّ يبدد حزناً صغيراً؟

كيف نحمل الفرح إلى قلوب السوريين..ودواعش الخارج والداخل يتناوبون على حجز أي فرح آت؟؟ كيف نفرج عن أسارير السوريين الخائفين من صاروخ غادر بين دقيقة وأخرى من جهة، وقرارات حكومية جائرة تنال من صمودهم وتختبر صبرهم من جهة أخرى؟!

لقد أصبح الألم جليس أيامهم، يأكل معهم ويرحل معهم، يناولهم الخبز وكؤوس الشاي.. يسامرهم في مساءاتهم يهدهد أحلامهم يوقظهم ليذهبوا إلى وظائفهم وجامعاتهم ومدارسهم، ألفوه كما يألفون القهوة وياسمين الشام وبحر اللاذقية.. ضمخوه عطراً وأهدوه لأحبتهم… كل هذا لأنهم يعرفون أن الألم موصول بنقيضه بل ويكمله ولا غنى له عنه.. الألم قرين الفرح ولولا احتراق الكأس في أتون الخزاف لما شرب النبيذ ولما عمرت السهرات، ولولا آلام المخاض لما فرح قلب الأم بوليدها.. ولولا آلام الكتاب والعظماء في الأدب لما تعشقت الروح من كلماتهم..

المتألمون يكابرون..يصبرون، لكن إلى متى؟؟ إلى متى يا كل المسؤولين في بلادي؟..لقد صارت لقمة العيش مجبولة بالذل والهوان..وهاهي ذي أسنّة الحكومة بزيادة أسعار المشتقات النفطية، تصيب في صدور السوريين جرحاً عميقاً..وهم الواقفون على المتاريس خلف جيشهم لمواجهة وحوش الكراهية والحقد الأسود.

لماذا توهنون عزيمة السوريين، بدل أن تحملوا لهم فرحاً يبدد ظلام أحزانهم؟؟!!

العدد 1136 - 18/12/2024