غموض يلف (غيلان باريه).. ماهي علاقة لقاح داء الكلب وفيروس زيكا؟
شفاء حالتين ولا وفيات… والكشف عن المسببات بحاجة إلى وقت
مازال الغموض يلف مسببات المرض النادر (متلازمة غيلان باريه) الذي ظهر في اللاذقية وجعل الأطباء يدخلون في جدالات طويلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن المسببات وحتى هوية المرض.
صحيح أن المرض غير معدٍ، لكن اللافت هو ظهور هذه الأعداد التي وصلت إلى 18 حالة حتى تاريخ 24/8/2016، خلال أقل من شهر واحد في محافظة واحدة، فقد سجّلت 10 حالات في مشفى تشرين باللاذقية خلال ١٠ أيام فقط بمعدل حالة يومية، وهذا يعتبر محفزاً كافياً للبحث عن المسبب الحقيقي، وفقاً لما قاله مصدر داخل المشفى لـ جريدة (النور).
وللتوضيح بشكل مبسط، (متلازمة غيلان باريه)، لاتصيب المريض فوراً، بل تأتي الإصابة بعد مرض ما أصيب به الشخص سابقاً، وقد يكون التهاب أمعاء مثلاً أو حتى الرشح أو (الكريب).
و(غيلان باريه) هو مرض مناعي ذاتي مجهول السبب ونادر جداً يصيب الإنسان بالشلل الصاعد من الأطراف السفلية، وبعاني المريض من اضطرابات تجعل جهاز مناعة الجسم يهاجم جزءاً من الجهاز العصبي المحيطي.
المسبب قد يكون معدياً
يقول الطبيب محمد عوض في هذا الصدد لـ جريدة (النور): صحيح أن المرض غير معدٍ، لكن قد يكون مسبب هذا المرض معدياً، وناجم عن فيروس جديد أو طافر لم يعتد عليه الجهاز المناعي للسوريين، مشيراً إلى أن (أغلب الحالات المصابة حالياً أصيبت بالمرض بعد إنتان هضمي).
وقبل الخوض في المراجعة التي أجراها د.عوض، أكد عدم وجود أي شيء مثبت عن مسببات المرض حتى اليوم من قبل وزارة الصحة أو الأطباء المهتمين، وقال: هناك عدة أسباب قد تدفع الأطباء للتفكير بتشخيص آخر لما أصاب هؤلاء المرضى، وهو النسبة العالمية لغيلان باريه وهي حالتان لكل مئة ألف نسمة من السكان سنوياً، مقارنة بزيادة عدد الحالات المصابة بالمرض في محافظة واحدة بفترة زمنية قصيرة.
قد لا يكون (غيلان باريه)!
وتابع: (يمكن التفكير بالتهاب النخاع الشوكي بأحد أنماط الفيروسات المعوية ويدعى (Enterovirus71 )، وهو ينتشر في كل دول العالم مع ارتفاع درجات الحرارة، ويعيش في الأمعاء ويطرح بالبراز ويصيب الإنسان فقط، ويعيش في البيئة لعدة أيام ويمكن أن يعيش في الماء والمسابح لمدة أسبوع، وتنتقل العدوى به عن الطريق البراز فموياً سواء بالماء أو الطعام واﻷيدي والأدوات الملوثة أو ابتلاع مياه المسابح.
مدة حضانة الفيروس الذي تحدث عنه د.عوض هو بضعة أيام ، ويسبب ضعفاً عضلياً قد يصل لمرحلة الشلل التام، ويبدأ المريض بالتحسن العفوي بعد عدة أيام ويشفى عفوياً دون شلل دائم.
24 حالة بدمشق والمرض موجود سابقاً
د. هالا سعيد، طبيبة الأمراض العصبية في مشفى الأسد الجامعي باللاذقية والمدرسة في جامعة تشرين، أكدت عدم وجود وفيات بالمرض حتى تاريخ إعداد هذه المادة، مشيرةً إلى وجود حالة في مرحلة الخطر لامرأة ناهزت الثمانين من العمر، وهي حالياً تعيش على التنفس الاصطناعي.
وفي الوقت ذاته، كشفت عن شفاء حالتين لرجلين استعادا القدرة على المشي بشكل طبيعي، مشيرةً إلى أن مرض غيلان باريه ليس جديداً على سورية، مؤكدةً أنها راجعت دفاتر المشفى في طابق واحد (رجال) وتبين تسجيل 7 حالات عام 2013، و3 حالات عام 2014، وحالة واحدة عام 2015، وفي 2016 قبل شهر آب 4 حالات، كاشفةً أيضاً ولأول مرة عن وجود 24 حالة سجلت في شهر شباط بدمشق كانوا تحديداً في مشفى المواساة.
تشير الدكتورة سعيد بشكل غير مباشر إلى أن الإحصائيات السابقة التي تحدثت عنها في مشفى الأسد الجامعي، ناقصة، لأنها أخذت من سجلات طابق واحد، مضيفة: (سنقوم بمراجعة سجلات قسم النسائية والعناية المشددة لتحديد الأرقام بدقة).
مصادر خاصة في مشفى المواساة، أكدت لجريدة (النور) أن (عدد حالات المتلازمة التي استقبلها المشفى خلال الثلاثة أشهر الماضية تصل إلى 18 حالة شفيت جميعها) مشيراً إلى استقبال (3 حالات جديدة الأسبوع الماضي)، مؤكداً وجود حالات لا يعلم عددها في المجتهد والأسد الجامعي.
مصدر مشفى المواساة يوضح أن (المشفى في الأعوام السابقة كان يستقبل حالات من المتلازمة وهذا الأمر ليس بجديد، لكن الإعلام ضخم القضية) على حد تعبيره.
داء الكلب وزيكا!
د. هالا سعيد أكدت في حديث لإذاعة ميلودي اف ام، أن سورية ليست أمام مرض معد ولا وباء، بل أمام تفشٍّ للمرض، وزيادة في تواتر عدد الحالات في اللاذقية عما هو معتاد في السنوات السابقة.
د. سعيد تحدثت عما سُجّل في الأدب الطبي حول الإصابات بغيلان باريه ومسبباته، قائلةً: (الأدب الطبي ذكر 3 حالات، الأولى عام 1976 لتناول مواطنين أردنيين ماء ملوثاً أدى لزيادة في تواتر المرض بمقدار 400 مرة عما هو معتاد، وفي الولايات المتحدة ازداد تواتر المرض من 10 لـ 20 مرة بعد حصول بعض المواطنين على لقاح داء الكَلَب، وهو العام ذاته الذي تأكَّد فيه وجود علاقة بين المرض ولقاح الكلب، وفي الحالة الثالثة قرية صينية تناول سكانها أرزاً ملوثاً فازدادت حالات تواتر المرض).
الكشف عن ارتباط المرض بلقاح داء الكلب عام 1976، قابله شكوك بارتباط المرض مع فيروس (زيكا) تحديداً في شباط من العام الجاري، فقد أكدت منظمة الصحة العالمية على موقعها الرسمي في 25 شباط من هذا العام، في تقرير حمل عنوان (تحديد متلازمة غيلان باريه وعلاجها في سياق فيروس زيكا)، أنها قدمت معلومات للتعريف بمتلازمة غيلان باريه (كوثيقة) تهدف إلى (تقديم إرشادات مبدئية للتعريف بحالات متلازمة غيلان باريه واستراتيجيات معالجة المتلازمة في سياق فيروس زيكا واحتمال ارتباطها بمتلازمة غيلان باريه).
وقالت منظمة الصحة في وثيقتها الرسمية عن المرض إن (السلطات الصحية في البرازيل وكولومبيا والسلفادور وسورينام وفنزويلا، أفادت بحدوث زيادات في حالات متلازمة غيلان باريه في سياق انتقال فيروس زيكا على نطاق واسع).
وكانت مديرة معهد الصحة في كولومبيا أفادت رسمياً شهر شباط الماضي، وعبر مؤتمر صحفي، عن وفاة ثلاثة أشخاص أصيبوا بفيروس (زيكا) ويحملون أعراض الإصابة بمتلازمة (غيلان باريه).
نحتاج إلى الانتظار!
وعلى ذلك، قالت الدكتورة هالا: (نحتاج إلى الانتظار، ونأمل أن يكون المريض الذي وصل الأربعاء قبل الماضي هو الأخير، فنحن بصدد دراسة إحصائية، ونحتاج للتريث لمعرفة ما إن كانت هناك صلة بمتلازمة غيلان باريه مع فيروس آخر أو جرثومة).
وتابعت: (عدد المرضى الذين جاؤوا من مكان واحد محدود، ونحتاج إلى دراسات أوسع لنقول إن فيروساً ما زار محافظة اللاذقية في مكان محدد ونشر المرض، ومن المبكر جداً الحديث عن المسببات فنحن لم نحدد بعد عاملاً ممرضاً محدداً).
وأشارت إلى أن مديرية الصحة في اللاذقية تقوم حالياً بمتابعة الموضوع، عبر فحص عينات المياه، ومعرفة أماكن المرضى، وفحص عينات البراز للكشف عن عامل مرضي وحيد،، مؤكدةً في الوقت ذاته أن (ثلثي المرضى مروا بإنتان تنفسي علوي أو هضمي، أو مروا بعمل جراحي أو استخدموا علاجاً مصلياً لسبب من الأسباب، لكن هذه الخواص هي في الطور البادري و ليست من معايير التشخيص، ولا نزال في مرحلة تجميع المعلومات).
تكهنات
تكهنات الأطباء وعدم القدرة على تحديد مسببات المرض، أو حتى الشك بهوية المرض ذاته، والحديث عن الحاجة إلى وقت أطول للدراسة والبحث، كلها أمور تشير إلى وجود قصور وتراجع في القطاع الصحي في سورية، لتبقى الحالات المسجلة في اللاذقية وحتى في دمشق استناداً إلى حديث د. هالا سعيد، موضوع بحث قد يطول وقد يكون دون نتيجة واضحة، ويبقى المصاب ضحية كل ذلك.